عقان الحواشب.. بين الجوع والحرمان وإهمال المسؤولين

> تقرير / صالح لجوري:

> أربع ساعات توقفت في عقان وقوفًا اضطراريًا، تعرفت فيها على أناس كرماء، بشوشي الوجوه، يستقبلوك بكل حفاوة وترحاب، يقدموا لك كل ما بوسعهم تقديمه، لا يسألوا عن قبيلتك أو مكانتك أو طبيعة عملك كل ما يعرفوه هو كيف يسعدوك ويساعدوك ويقدموا لك ما بوسعهم على الرغم من فقرهم وظروفهم المعيشية المتدنية، هذه المرة كان وقوفي في عقان اضطراريا وفي أثناء الحرب 2015 - 2016 كانت إحدى المحطات التي مكثنا فيها بعد تحرير مدينة المسيمير، ومثلث عقان من قبل أبطالها الميامين، وهناك شاهدت شباب المسيمير وعقان في شجاعة نادرة تفوق قصص الخيال .

لمن لا يعرف قرى عقان الحواشب، هي قرى مترابطة تقع على سفوح وادي تبن غرب محافظة لحج يحدها من الشرق مثلث العند، ومن الغرب مناطق كرش وما حولها، ومن الشمال مدينة المسيمير والسلسلة الجبلية المطلة على مصنع أسمنت الوطنية، والسرايا وسيلة بِلَه، ومن الجنوب والجنوب الغربي وادي تبن الممتد من أعلى مناطق المسيمير حتى الحوطة عاصمة المحافظة، تقع قرية عقان الرئيسة في مثلث مفترق الطرق كرش- المسيمير- العند ويلي القرية الرئيسة ثلاث قرى هي جول معويل؛ القبيطة؛ حبيل امسويداء

عقان والمعاناة المزمنة
منذ ثمانينيات القرن الماضي ومناطق عقان وما حولها عبارة عن متنزهات يقصدها الزائرون من المحافظات المجاورة والمدن الحضرية بهدف التنزه في وديانها ذات الطبيعة الخضراء الساحرة، ومن بين الزائرين مسؤولين ومثقفين ورجال مال وأعمال وبيوت تجارية ولكن الجميع يقضوا ساعات التجول والتنزه في أرجاء وادي تبن الخصيب، ولا أحد ينظر من هؤلاء المسؤولين والشخصيات الهامة إلى معاناة سكان قرى عقان، الجميع يغادر المنطقة ويتركوا خلفهم قنينات الماء الفارغة وبقايا مخلفات أمتعة الرحلات التي احتوت على ما لذَّ وطاب، لا أحد ينظر إلى فاقة وجوع سكان قرى عقان، التي تستقبل الزائرين بكل بشاشة وترحاب، لا أحد ينظر إلى تلك الوجوه السمراء التي أشحوحبت تحت حرارة الشمس، تصارع تقلبات الحياة، وتكابد كل صنوف المعاناة والحرمان وتستمر المعاناة وتمضي الأيام وتتعاقب الحكومات، وتلك القرى كما هي تزداد معاناتها، وتكبر آلامها وعذابات سكانها، تمضي القوافل الإغاثية من أمام أعينهم، ولا أحد يكترث لجوعهم وعوزهم، لا دولة ولا رجال خير ولا منظمات ولا جيران جغرافيين من الميسورين وأصحاب الهبات، والقوافل على الرغم من تضحيات أبناء هذه المناطق في كل الجبهات وصمود شبابها الشجعان في ميادين الشرف والبطولة على امتداد رقعة الوطن وحضورهم في كل المحافل ووسائل الخدمات

تدمير وحرمان من التعليم
أثناء حرب 2015 تفاقمت المعاناة بسبب انعدام الخدمات وتوقف العمل وعدم وجود مصادر دخل يقتات منها السكان، حيث يعتمد سكان مناطق عقان في الدخل المادي المعيشي على الأجر اليومي في المزارع المتواضعة، والأجر اليومي مقابل الحِمَالات والعمل في المصانع والمستودعات التجارية وأعمال الإنشاء العمراني .. الحرمان في عقان في كل شيء في كل الخدمات في المأكل والمسكن والتطبيب والتعليم والحياة الكريمة للإنسان عامة.

الحرمان طال الأطفال أيضًا، حيث توقف الطلاب والطالبات عن الدراسة لأكثر من أربعة أعوام بسبب تدمير المدرسة الوحيدة في المنطقة بالكامل بواسطة الطيران، التي تم انشائها في عهد نظام علي عبدالله صالح، وأعيد ترميمها من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبحسب إفادات سكان كُثر في المنطقة تؤكد بأن 95٪ من الطلاب والطالبات محرومون من التعليم الجامعي والمعاهد والدراسات الأخرى، بسبب عدم توفر الإمكانيات ومصاريف الدراسة ووسائل النقل، وعدم توفر الكليات أو المعاهد في الإطار الجغرافي للمنطقة .

موت دون الحصول على إسعاف
تفيد المعلومات والوقائع المشهودة أن كثيرًا من السكان يفقدوا أقاربهم بالوفاة أو بالإصابة بعاهات دائمة، بسبب عدم توفر وسيلة إسعاف للمرضى، والحوادث وحالات الولادة المتعسرة، حيث توجد وحدة صحية صغيرة تفتقر للكادر الطبي والأجهزة الطبية والأدوية ولكل المقومات الإسعافية للحالات الحرجة تم بناءها من قبل أحد المنظمات، وتعمل فيها قابلة واحدة وعلاجات روتينية لا تفي بالغرض .

بعوض وأدخنة وكيماويات
مياه الشرب في عقان غير صالحة بسبب ازدياد الملوحة وملوثات أخرى، وأجزم أنه لا يستسيغ شربها أي شخص من خارج سكان مناطق عقان، أما البعوض فيفتك بالسكان حيث ينتشر بشكل فضيع لا يحتمل مما يصيب السكان بالحميات والملاريا وطفح جلدي وغيرها .. دون وسائل رش أو مبيدات للمياه الراكدة والأشجار يقابل ذلك أمراض مختلفة ومستعصية بسبب عدم الوقاية وتوفير الأدوية المضادة التي تسببها المواد الكيماوية المتصاعدة أدخنتها من مصنع الإسمنت المحاذي لقرى مناطق عقان وما حولها المغلوبة على أمرها دون حسيب أو رقيب.

الكهرباء.. وسائل بدائية
توجد قرى عقان بالقرب من مصنع إسمنت الوطنية التي تعمل فيه الكهرباء على مدار الساعة وتمتد أسلاك تيارها إلى الشعاب والجبال بأنوار عالية يكفي أحدها لإنارة قرية كاملة إلا أن القائمون على هذا المصنع لم يكلفوا أنفسهم بربط التيار الكهربائي لقرى عقان، وهي أقرب جار إلى المصنع، أو منحهم ماطور أو مولد كهربائي على سبيل التحلل من الظلم المفروض على هذه القرى جراء ما تعانيه من الأمراض المستعصية، بسبب التلوث البيئي والآثار القاتلة التي تنتج عن مخلفات المواد الكيماوية المتسربة من المصنع والمتفاعلة مع الطبيعة البيئية في المنطقة.

معاناة الجنود
يتوزع معظم شباب عقان على مختلف الجبهات المشتعلة، وأغلبهم بدون مرتبات ولا غذاء ولا مصادر دخل أخرى، ومن العجيب في أمر هؤلاء الفتية الشرفاء العفيفين الذين لم يعرفوا غير ساحات الوغى والصمود والفداء، لم يحالفهم الحظ أن يكونوا في نقاط الجبايات، ولا مجالس المسؤولين ومكرمات الأثرياء فيأتوا في زيارات قصيرة لتفقد أهاليهم والسلام عليهم لبضع دقائق ومن ثم ينطلقوا إلى أعمال شاقة في الحِمَالة بالمصانع ومناقيش الأحجار، وحمل مواد البناء في أماكن الإنشاء العمراني يقضوا إجازاتهم في حمل الأثقال على أكتافهم مقابل توفير لقمة العيش لذويهم، ومما يحز في النفس ويدمي القلب أن أحد الجنود ( أ. ي ) لازالت جراحه الغائرة حديثة، ويعمل في الحِمَالة وجدته وهو في طريقه من أمام بوابة مصنع الإسمنت بعد يوم من التعب والعناء سالته ما هذا الجرح الذي في رجلك؟ قال : أصابتني شظية في الجبهة قبل تسعة أيام، وأخذت إجازة أسبوع ولأن الراتب لا شيء جئت هنا لتوفير مصروف لأهلي ولم يسمح لي بالتصوير بقوله: لا داعي للتصوير يا أخي قد صورنا الذي فوق، ويقصد الله جل جلاله، وما خاب من اتكل عليه.

رسالة زائر إلى عقان
الرسالة الأولى إلى محافظ لحج، وكل مسؤول في المحافظة أقول إذا لم تجدوا ما تدعموا به هذه المناطق من الموازنة، وجهوا دعوة لرجال المال والأعمال والخيرين، لدعم هذه الأسر التي تعيش في قرى عقان في ظروف صعبة جدا.
والرسالة الثانية إلى الجوار في يافع والضالع وردفان: أنتم الكرماء وقوافلكم الإغاثية وصلت إلى كل مكان. وأدعوكم أن تكون قوافلكم ومكرماتكم القادمة إلى قرى عقان خاصة مع إقبال شهر الخير والبركة. وأتمنى أن يكون أي دعم إلى السكان بطريقة مباشرة دون أي وسيط.
الرسالة الثالثة إلى المُلَّاك والقائمين على مصنع إسمنت الوطنية، أقول أنتم تفهموا ماذا يعني وجود مصنع للإسمنت جوار قرى سكنية تفتقر لأبسط وسائل العيش والوقاية، فبادروا إلى دعم معيشة أسر هذه القرى وعلاج مرضاهم، ولو حتى على سبيل التحلل من الظلم .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى