​كما فعل الرئيس!

> سواًء كان السكان في عدن صامتين، أو يحبسون الأنفاس، أو ثائرين، فإنهم دائماً ما يوجهون نظرهم، ونيابة عن كل سكان اليمن، نحو معاشيق، باحثين عن نموذج لشكل الدولة، وإن جاء على شكل منتجع لا يظهر منه إلا السور وأضواء أبراج الحراسة فقط!
منذ خمس سنوات كانت عدن تستعد لتستقبل رئيس الجمهورية المنحسرة، استقبال الفاتحين، على الرغم من أنها كانت، لا تزال في مرحلة التقاط الأنفاس، تجلس في أقصى ركٍن مظلٍم من العالم، واضعةً رأسها بين ركبتيها، متأثرة من جراء الحرب المجنونة ودروبها المسكونة بالوجع.

وقت ذاك، بدت عدن خائرة القوى وكأنها قطعت المسافة من معاشيق إلى الرياض مشياً على الأقدام مروراً بصعدة دون أن يكون لها حاجة للسفر، لكنها تبدو مستسلمةً ومسلمةً لحتمية الأقدار.
يومها استقبلت عدن اليابسة، وعدن البحر، الرئيس المنتشي بنصر مؤزر، استقبالاً يليق بلحظته تلك، وفي أولى زياراته لها، بعد زيارة اضطرارية خاطفة قرر أن يرسم معالم طريق مرحلة ما بعد المطاردة، انطلاقاً من المدينة الحارة صيفاً، ومينائها البارد طوال فصول السنة!

رافق الرئيس هادي، في زيارته الأولى لميناء المدينة الحزينة، منذ أن أصبح رئيساً للبلاد، إلى جانب باقي المسؤولين، ومعظمهم كان لا يزال يرتدي بزة الحرب دون أن يشارك حتى في لعبة "بابجي"، كل الوزراء، ورجال المال والأعمال، وسواًء جاء الحضور بدعوة من مكتب الرئيس، أو من تصرٍف وقرار شخصي، من البعض، كان الجميع متشوقاً لرؤية الرئيس الحاضر الغائب، عن قرب، وكأنهم لايصدقون بأنه يحضر يقيناً! الجميع كان يستعد لإلقاء النظرة الأخيرة على المدينة، التي شاركتهم كل شيٍء فيها، وكان جزاؤها أن رفضوا مشاركتها (الربح) الذي تحقق بفضل شراكتها وهي من حرمت نفسها من التيار لتنير لهم الطريق كلاً نحو وجهته!.

حضر الجميع، بطريقة أو بأخرى، ليروا الدولة العائدة من سفر بعيد، الحاضرة بحضور الرئيس، والغائبة بغيابه، فحضرت الدولة للحظات قبل أن تغيب منذ ذلك الحين، وتتحول من "جمهورية" تنتج شرارات الحروب والمآسي وتغذي من يحتاج لتغذية الكراهية، إلى "كرة نار" ضخمة، لا تهدد، وتحرق وتأكل ساكنيها فحسب، بل تمتد لتشمل الإقليم والعالم.

تبدو عدن اليوم كرواية كُتِبت على الطريقة الهتشكوكية، وحينما لم يصل كاتبها لخاتمة تليق بها، خاتمة تسعد الجميع، ينهي بها الأحداث الطويلة، قرر أن يحزن الجميع بأن أقدم على حرق جميع شخصياتها في الفصل الأخير!
يوم قرر الرئيس زيارة الميناء، وقبل تحول اليمن من مجرد شرارة، لكرة نار ضخمة، وأضخم، فأضخم، كان يفكر بالبحث عن مخارج، وأراد أن يبدأ من الميناء الذي عرفه العالم أجمع، وبطريقته العفوية دائمة الحضور في خطاباته المكتوبة، وحتى تلك المرتجلة، بالحديث عن كل الخدمات التي تقوم عليها الدول، مطالباً دول مجلس الأمن دائمة العضوية، وكذا بعض الدول الأوروبية، بتحمل ملفات الكهرباء والصحة والأشغال العامة والطرق -إدارة اليمن-، ومنذ ذلك الحين ونحن نبحث عن الرئيس والوطن فلا نجدهما بعد أن بلغ الرئيس رسالته للعالم أجمع وغادرنا وتركنا لكرة النار والقدر، وغبنا مع الوطن عن العالم كله، وقاربنا على مغادرته تماماً كما فعل الرئيس!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى