من مأرب إلى تعز والحديدة.. تحرك عسكري يقلب موازين الحرب

> سام أبو المجد

> تشهد مدينة مأرب غربي اليمن معارك هي الأشد منذ اندلاع الحرب قبل نحو 6 سنوات، بين جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا التي تهاجم المدينة النفطية، وقوات الجيش التابعة للحكومة الشرعية التي تدافع عنها.
ومع تزايد الضغط على قوات الجيش في محيط مأرب، جراء هجوم الجماعة وشح الدعم العسكري لدى قوات الجيش الوطني، برزت دعوات إلى تحريك الجبهات المتوقفة في عموم المحافظات اليمنية، لتخفيف الضغط عن مأرب وتشتيت "الحوثي".

في 3 مارس 2021، طالبت السلطات المحلية في 8 محافظات عبر بيان صدر من مجلسها التنسيقي، الرئيس عبد ربه منصور هادي بإعلان التعبئة العامة وتحريك جميع الجبهات، من أجل تخفيف الضغط على محافظة مأرب، داعية مجلس الدفاع الوطني للانعقاد العاجل من أجل دعم كافة الجبهات.
بالفعل كانت البداية من مدينة تعز، حيث تحركت الجبهة المتوقفة هناك، وحققت قوات الجيش الوطني، مسنودة بأبناء مدينة تعز، تقدما، وتمكنت من تحرير عدد من المناطق والمواقع التي كانت خاضعة لسيطرة"الحوثي".
وعلى الرغم من أن تحريك جبهة تعز، كان مباغتا من قبل قوات الجيش الوطني، ما أربك حسابات الجماعة الشيعية، إلا أنه لم يكن كافيا للتخفيف عن مأرب.

امتداد تكتيكي
المحلل العسكري اليمني الدكتور علي الذهب يرى ضرورة تعزيز جبهة "مأرب ـ الجوف (شمال غرب) ـ صنعاء"، بما يمثل امتدادا تكتيكيا بشكل هلال يضم المحافظات الثلاث، ويمكن أن يتوسع ليشمل أجزاء من محافظة البيضاء (جنوب غرب).
الذهب قال "هذه جبهات استراتيجية؛ لأنها نقاط اقتراب من العاصمة صنعاء، وتعزيزها وإعادتها إلى وضع ما قبل ديسمبر 2019، سيقلب الموازين ويعيد تعريف المعركة من جديد".

يتابع المحلل العسكري قائلا: "بما يخص الجبهات التي يمكن أن تخفف من الضغط على مأرب فهي جبهة تعز، لما لها أيضا من أبعاد تكتيكية واستراتيجية فيما لو اشتعلت؛ لأنها ستتيح الالتحام بجبهة الضالع وإب (جنوب غرب) التي لا تزال في أطوارها العملياتية والتكتيكية الأولى، ويمكن أن يحدث هناك ترابط شبيه بما أشرت إليه سابقا، ليشمل تعزـ إب ـ الضالع وأجزاء من محافظة البيضاء".

صعوبات وتحديات
وحسب الدكتور علي الذهب، فإن الانقسامات الحاصلة والتحديات التي تواجه الشرعية من قبل أطراف أخرى تشكل صعوبة في تحريك تلك الجبهات، خاصة الجبهات التي في الضالع، حيث تتمركز قوات عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتحاول أن تضع قواتها على حدود ما قبل 1990، في منطقة الضالع وإب.

الذهب يؤكد أن مسألة تحريك الجبهات " تتطلب إمكانات عسكرية مادية وبشرية، بالإضافة إلى أن تحريك جبهة تعز تتطلب تحرك القوات المشتركة المتموضعة في الساحل الغربي، وهي التشكيلات العسكرية المكونة من ألوية العمالقة والمقاومة التهامية وقوات حُرَّاس الجمهورية التابعة لطارق صالح.
ووفق الذهب، فإن "تحريك جبهة تعز مهمة للغاية في تخفيف الضغط على مأرب، لكنها لا تكتمل ما لم تتحرك القوات المشتركة أو ما يطلق عليه قوات حرَّاس الجمهورية التابعة لطارق صالح، وهذه القوات تشمل مسرح عملياتها أجزاء من محافظتي تعز والحديدة".

جبهة الحديدة
تعد جبهة الحديدة هي الأهم من بين كل الجبهات، لموقعها الاستراتيجي؛ ولأن ميناء الحديدة أهم المواني الذي يستفيد منها الحوثيون، لهذا فقد تعالت أصوات يمنيين بضرورة تحريك هذه الجبهة في هذا الوقت الحساس.

مسوغ قانوني
وفق مراقبين، فإن تحريك جبهة الحديدة تواجه قيودا قانونية، فقد قضت اتفاقية ستوكهولم المبرمة بين الشرعية والحوثيين برعاية أممية في ديسمبر 2018، بإيقاف المواجهات في مدينة الحديدة، من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى ميناء الحديدة، وتحييد البنك المركزي في الحديدة من أجل دفع رواتب الموظفين".

المحلل العسكري علي الذهب يقول إن "إقدام طارق صالح قد يعرضه لعقوبات، لهذا فلا يمكن لقوات طارق أن تخطو خطوة إلا إذا كانت معززة بقرار سياسي من رئيس الجمهورية الذي لا يريد أن يتخذ هذه الخطوة إلا في أضيق الظروف ومتى ما كانت المواقف الناشئة ملزمة لذلك، وهذه القوات تمثل حارس للشواطئ وللمصالح الأجنبية في البحر الأحمر".

لكن الذهب يرى أن القوات الموجودة في تعز يمكن أن تتحرك باتجاه محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبالتزامن يمكن لقوات طارق أن تتحرك بنفس الاتجاه، وهذا الأمر يمكن أن يحدث خللا في تماسك قوات الحوثيين في الحديدة.
مضيفا: "سيبادر الحوثيون بطريقة أو بأخرى إلى خرق اتفاق ستوكهولم، وهنا سيكون لدى الحكومة الشرعية مسوغ قانوني في التحلل من قيود الاتفاقية، وبالتالي سيكون ردة الفعل بالنسبة للقوات الحكومة أو قوات الساحل أو القوات المشتركة ومن هنا تسقط الاتفاقية".

وتابع الذهب قائلا: "من الناحية القانونية، هناك الكثير من المبررات للتحلل من اتفاق ستوكهولم، أبرزها أن الحوثيين لم يلتزموا بالاتفاق، وارتكبوا عدد من الخروقات يمكن للحكومة أن تستغلها في استجابة عسكرية حاسمة تحقق تقدما على الأرض".

من تلك الخروقات، وفق الذهب، "المبالغ التي أودعت في البنك المركزي فرع الحديدة والتي أخذت وصرفت في غير ما حدده اتفاق ستوكهولم، حيث تصرف بها الحوثيون بشكل فردي لدعم مجهودهم العسكري، وهناك خروقات كثيرة لوقف إطلاق النار، والتقدم في مناطق بالحديدة كما حدث في منطقة الدريهمي".

معركة مأرب
ومنذ 7 فبراير 2021، تشهد مدينة مأرب اليمنية معارك طاحنة بين قوات الجيش الوطني وجماعة "الحوثي" الانقلابية، تعد هي الأعنف منذ انقلاب الجماعة على الدولة في سبتمبر 2014.
ومع أن الأطراف المتقاتلة خاضت معارك شرسة خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه المعركة مصيرية وانتصار أحد الأطراف فيها سوف يحدد مصير اليمن لسنوات قادمة بحسب تقرير لمؤسسة "جيمس تاون" الأميركية المختصة بتحليل السياسات الاستراتيجية للدول.

يستميت الحوثيون في السيطرة على هذه المدينة النفطية، لعدة أسباب، منها أنهم بحاجة لتمويل حربهم، في ظل تراجع الدعم المالي الإيراني مؤخرا بسبب تردي اقتصاد طهران، وفق مراقبين.

وحسب متابعين، فإن مأرب هي آخر معقل للشرعية التي تقاتل الحوثيين، وبالسيطرة عليها تكون الحرب قد حسمت في جغرافيا الشمال اليمني لصالح الحوثيين، وتم تصفية الشرعية بشكل كامل، لذا تحولت مأرب إلى قاعدة انطلاق لقوات الجيش الوطني مدعومة بالمقاومة الشعبية التي تنتمي لعدد من المناطق في اليمن.

كما تشكل سيطرة الحوثيين على مأرب تهديدا استراتيجيا للسعودية؛ لأنه سيقود إلى السقوط الحتمي لكامل محافظة الجوف المجاورة لها والحدودية مع السعودية، وهو الأمر الذي يريده الحوثيون لتحسين شروط المفاوضات مع الرياض، وتدفع به إيران في مفاوضاتها على الملف النووي.
التحضير لمعركة مأرب، وفق خبراء، بدأ منذ تعيين ضابط الحرس الثوري حسن إيرلو في أكتوبر 2020، سفيرا لطهران لدى جماعة الحوثي التي بدأت حملات مكثفة لتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل وتدريبهم في معسكرات خاصة، في عدد من مناطق اليمن.

غدت مأرب ملجأ لأكثر من مليوني نازح، فروا من الحرب التي اندلعت في عدد من المحافظات لسنوات ماضية، وسقوط مأرب بيد الحوثيين سوف يتسبب باستمرار رحلة التشرد التي تهدد النازحين، وفق متابعين.
وتحولت مأرب بعد الحرب من مدينة صغيرة، إلى سوق مزدحمة ومدينة مليئة بالحياة، وارتفع عدد سكانها بسبب حركة النزوح من نحو 300 ألف هم عدد سكانها، إلى نحو مليوني شخص ما ينذر بخسائر بشرية هائلة في حال اندلع الصراع في مأرب على غرار ما حصل في تعز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى