نحن.. وأصنام التمر

> يبقى مفهوم الحكومة ثابتاً في القاموس السياسي، من حيث هي منظومة من الأجهزة التي يحدد الدستور والقوانين وجودها وآليات اختيارها من قبل الشعب، والمناط بها تسيير شؤون المجتمع وضبطها في داخل الوطن، وتأمين مصالح الدولة والوطن مع دول العالم القريبة والبعيدة. أقول يبقى مفهوم الحكومة ثابتا، لكن أنواع الحكومات من حيث طبيعتها، وتكوينها ومهارة أعضائها وقدراتهم يعتبر من المتغيرات، إذ عادة ما تأتي نوعية الحكومة كاستجابة طبيعية للظروف الداخلية للدولة، وكذا استجابة للتحديات الخارجية التي تجابه الدولة في مرحلة ما من تاريخ وجودها. فمثلا هناك حكومة حرب حين تكون البلاد في حالة حرب في داخل الحدود أو مع غيرها، وتقابلها حكومة سلام حين تكون الظروف المحيطة إجمالاً اعتيادية. هناك نوع آخر من الحكومات ذي صبغة اقتصادية تكون مهامها الأساسية مجابهة المسائل الاقتصادية التي تواجه البلاد، أو حكومة ذات صبغة تنموية فنية، أو ما تسمى بحكومة تكنوقراطية. وإجمالاً تهدف كل أنواع الحكومات المتعددة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التلاحم مع الشعب وخلق حالة من الانسجام ما بين أهدافها كمنظومة سياسية، وما بين أهداف الشعب بمكوناته وطبقاته المختلفة، بما يضمن السير بالبلد وشعبه في طريق النمو والرخاء والاستقرار. ما أسلفناه ينطبق على الحكومات التي لا تعيش بلدانها أوضاع انقسامات مجتمعية وسياسية عميقة وتدخلات خارجية دولية وإقليمية، وحيث لا تكون بنية الدولة مفككة وهشة، وحيث لا يكون الفساد السياسي والاقتصادي قد نخر جسد الدولة ومؤسساتها الاقتصادية والأمنية وجعلها أقرب للسقوط وإن شئت أقرب إلى العدم، مثلما هو الحال في بلادنا. لن نبحث هنا تفاصيل ما حدث ويحدث في بلادنا، فالكل أو الأغلبية الساحقة من الناس يعايشون الأحداث أول بأول، ويعرفون ما يحدث ومن المتسبب فيه، بغض النظر عن التطبيل والتظليل الإعلامي الذي تمارسه معظم أطراف اللعبة السياسية في البلاد. ولا يمكن أن لا نذكر هنا أن الخطورة التي وصلت إليها الأوضاع في البلاد واستمراء حالة الاحتراب وتحولها إلى مهنة واستشراء الفساد المنظم، ونهب مقدرات البلاد والعباد وحالة التقتير المعيشي وانتشار الفقر الذي طال أكثر من ثلثي سكان البلاد، والإخلال المتعمد من الحكومة الحالية ومن سبقها بوظائفها الأساسية ونهب رواتب فئات مجتمعية موظفة لدى الدولة وحرمان الناس من حقوقهم المشروعة، ودفعهم إلى سبل ستوصل البلاد إلى حالة تشظي وتدمير ذاتي، الله وحده يعلم بمدى خطورتها والتي حتماً ستعبر حدود البلاد إلى ما حولها.

على مدى السنوات الست التي تشارف على الانتهاء لا نرى سوى عمل واحد يكرره أولو الأمر في الداخل والخارج، يتمثل في صناعة حكومات، ثم يلي ذلك نضال شعبي ووطني يحتاج لسنتين في المتوسط حتى يمكن إسقاطها والإتيان بأخرى أكثر سوءاً. وكأن ليس لدينا ما نقوم به لإخراج البلاد والعباد من هذا الجحيم، كأننا لا نملك مهاماً ينبغي إنجازها من أجل هذا المواطن المسحوق ومن أجل وطن لديه من الثروات ما يكفيه لكن الكهنة من السياسيين الفاسدين يأبوا إلا على وضعنا في خانة المستجديين على أبواب المانحين. إنهم مصرون على أن نصنع أصناماً من التمر نعبدها لتأكلنا، وليس كما كان الأعراب يفعلون في أيام الجاهلية إن جاعوا أكلوها. ما يقلقنا بل ما يدمرنا، أن صانعي الأصنام استمرأوا اللعبة، وها نحن ندور في دائرة مغلقة بعيدين كل البعد عن الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وبعيدين جدا عن سبل الحلول لأزماتنا التي لا تشبه كرة الثلج، بل شيئا آخر. لكننا نحذر من أن الشعب المقهور الجائع لن يدع الكهنة يأكلون أصنام التمر هذه المرة، بل سيأكلها هو وبشهية من يقاتل الموت جوعاً. هل من متعظ؟ هل استوعب جيراننا الدرس؟ هل يرى العالم كيف تسير مآلات الأمور؟ دعونا نأمل في ذلك فما عاد لدينا كثيرا من الوقت للأمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى