مقاربات متعارضة.. لماذا لا تتوقف الحرب في اليمن؟

> أحمد عليبة

> رفضت المليشيا الحوثية مقترحًا بوقف إطلاق النار في اليمن قدمه المبعوث الأمريكي تيم ليندر كينج، خلال لقاء مع مفوضي المليشيا في سلطنة عمان أعلن عنها في 4 مارس 2021. وفيما لم يعلن أي من الطرفين عن مضمون المبادرة الأمريكية التي جاءت بعد زيارة لكينج إلى السعودية التقى خلالها مسئولي الحكومة الشرعية والتحالف العربي والمبعوث الأممي مارتن جريفثيس، إلا أن الحوثيين قالوا في تصريحات متفرقة إن مضمونها يحمل الرؤية السعودية ولم تخرج عن سياق ما سبق وقدمه جريفثيس في جولات سابقة.

ميدانيًا أخذت الحرب منحى مختلفًا منذ قررت الخارجية الأمريكية شطب قرار تصنيف المليشيا الحوثية من على لائحة الإرهاب في 12 فبراير 2021 بعد أقل من شهرين على إدراجها في عهد الإدارة السابقة (20 يناير 2021)، حيث صعدت المليشيا الحوثية من هجماتها العسكرية داخليًا على جبهة مأرب، وخارجيًا ضاعفت من مستوى الهجمات بالطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية، أعنفها – وفق مزاعم المليشيا– شنها هجمات واسعة على مناطق الظهران والدمام والخُبر في السعودية في 7 مارس 2021.

وفي المقابل، تشن القوات المشتركة من الجيش الوطني وبدعم من تحالف دعم الشرعية هجمات نوعية مضادة على قوات المليشيا الحوثية، حيث تحولت من الدفاع وصد الهجمات على محاورها المختلفة إلى الهجوم متعدد الجبهات للمرة الأولى منذ سنوات، حيث أحرزت تقدمًا في جبهة تعز مع استعادة مناطق استراتيجية في "الكدحة" في محاولة لفك الحصار الحوثي الذي يطوقها بفتح الطريق إلى الساحل الغربي حيث يعول على التحام قوات الجيش في تعز مع قوات العمالقة في الساحل الغربي، ما يمكن أن يشكل إسنادًا في وقت لاحق لجبهة مأرب. وعلى التوازي وسع التحالف من هجماته الجوية على مواقع الحوثيين في تلك الجبهات، كما زاد من هجماته على مواقعها أيضًا في الجوف والبيضاء وحجة وصعدة.

ووفقًا لمحصلة هذه التطورات يمكن القول إن الاستنتاج الرئيس هو أن كل الأطراف تتحدث عن إنهاء الحرب لكن لا أحد يفعل، وأن خيار التسوية السلمية لا يزال بعيدًا، وسيظل يتراجع تدريجيًا حيث يراهن كل طرف على كسب جولة تمكنه من حسم موازين القوى لصالحه، في إطار حسابات الأطراف وفق المؤشرات التالية:

المقاربة الإيرانية
تكتسب الحرب في اليمن بُعدًا إقليميًا منذ اندلاع الأزمة، حيث توظف إيران وكيلها الحوثي للتصعيد في إطار معادلة التصعيد الإقليمي الإيراني ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وتظهر إيران موقفًا معارضًا للتوجه الأمريكي لوقف الحرب في اليمن، لفرض موقف على الجانب الأمريكي في معادلة تسوية الملف النووي الإيراني، فواشنطن تشترط للعودة لاستئناف العمل بخطة العمل المشتركة المعروفة باتفاق ( 5+1 ) إدراج ملف الصواريخ الإيرانية والتمدد الإيراني الإقليمي على طاولة المباحثات أولًا، بينما تصر طهران على العودة إلى الاتفاق في إطاره الأصلي المبرم في عهد إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما".

وبالتالي زادت من قدراتها الصاروخية، كما تضاعف من مخزون وكلائها الإقليميين منها، بالإضافة إلى مساعيها للتوسع الإقليمي عبر زيادة تمكين وكلائها الإقليميين، وزيادة الهجمات على مناطق التواجد الأمريكي، فصعدت من هجماتها على القوات الأمريكية في العراق، كما أن خيار استهداف المناطق السعودية في الضربة الأخيرة على مرافق أرامكو وميناء رأس تنورة يحمل الرسالة ذاتها لاستهداف مناطق يتواجد بها أمريكيون يعملون في مجال النفط، على التوازي مع إشعال حرب ناقلات الشحن التجارية في الخليج وبحر عُمان وبحر العرب.

وما يؤكد على طبيعة المقاربة الإيرانية تصريحات قائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني 12 مارس الجاري التي أيد فيها تبني الحوثيين للهجوم على الظهران والدمام والخُبر، حيث قال وفقًا لوكالة "تسنيم" الإيرانية إن"المقاتلين اليمنيين أذهلوا العالم بشنهم ثماني عمليات ناجحة خلال أقل من عشرة أيام مستهدفين مواقع النظام السعودي". وأضاف: ”قلنا إننا سنحطم عظام أمريكا المجرمة وسيسمع صوت تحطمها في الوقت المناسب". ولم يخرج موقف الدبلوماسية الإيرانية عن ذات السياق، ففي أعقاب لقاء هو الأول من نوعه جمع جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية ومارتن جريفثيس المبعوث الأممي إلى اليمن قال في لقاء مع TV Press الإيرانية 21 فبراير 2021:"أبلغنا المبعوث الأممي استعدادنا لإنهاء الحرب في اليمن. لكن إيران لم تتلقَّ أي مقترح بوقف دعم طهران للحوثيين، مقابل وقف دعم واشنطن عمليات التحالف في اليمن".

المقاربة السعودية
تؤكد السعودية استعدادها لتلبية الرغبة الأمريكية والدولية المطالبة بوقف الحرب ودعم مسار العمليات الإنسانية، وتغليب خيار التسوية، لكن في المقابل فإن متغير معادلة الاشتباك الميدانية على الأرض تكشف عن استجابة مختلفة للتعامل مع معادلة الاشتباك التي يرفضها الحوثي بدعم إيراني، حيث تعمل السعودية على قطع الطريق أمام الحوثيين في السيطرة على مأرب التي تمثل رمزية مهمة للتحالف كونها مقر قيادة القوات المشتركة، وللحيلولة دون وصول الحوثيين إلى مرافق نفط شركة "صافر" التي تنتج نحو 40 % من النفط اليمني، بالإضافة إلى أن الاستجابة لمطالب الحوثيين برفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة يعني في المقام الأول شرعنة وضع الحوثيين كسلطة أمر واقع، وبالتالي لا مجال لعودة الحكومة المعترف بها إلى العاصمة صنعاء.

لكنّ مراقبين يرون أن إطار الموقف السعودي أوسع مما هو متصور في إطار دعم الشرعية من منظور جيوسياسي، فسيطرة الحوثيين على مأرب سيعيد تشكيل معادلة تهديد جيوسياسية بشكل دائم للسعودية، فالسيطرة على إقليم مأرب يعني في الوقت ذاته سيطرة الحوثيين على حدود ”دولة الإمامة”– نظام ما قبل الجمهورية الذي انتهى في ستينيات القرن الماضي- ويعزل السعودية عن مناطق نفوذها أيضًا في إقليم حضرموت جنوبًا. وتنتبه إيران في المقابل إلى هذا السياق، حيث أعطى ممثل الحرس الثوري في اليمن حسين إيرلو – سفير إيران لدى الحوثيين- أولوية لحسم معركة مأرب، معتبرًا أن قرار "وقف الحرب خديعة ستضعف موقف الحوثيين في المفاوضات التي سترسم حدود مناطق السيطرة موازين القوى فيها" وفقًا لتقارير محلية يمنية.

على الجانب الآخر، لم يشكل إعلان سحب الولايات المتحدة دعمها للتحالف فارق استراتيجي كبير في الحرب؛ بل على العكس من ذلك فقد تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم موقفها في الأخير، فالصيغة الأمريكية التي طرحت في بداية عهد الإدارة الأمريكية تبنت التعامل مع التهديد الحوثي ضد السعودية باعتباره قصية أمن حدود، ودعمت تقوية الدفاعات السعودية في الجنوب، لكن هذه الصيغة تتماشى في حقيقة الأمر مع الصيغة الحوثية التي تستهدف استبعاد الرياض من المعادلة وانفراد الحوثيين بصياغة موازين قوى وترسيم مناطق السيطرة الداخلية في إطار مشروعهم الطائفي، حيث أكد القيادي المليشياوي محمد علي الحوثي أن المليشيا ستتوقف عن استهداف السعودية مقابل وقف السعودية ضرباتها الجوية ودعمها للجيش الوطني ورفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة على حد قوله.

التحركات الأمريكية
بعد رفض الحوثيين المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار بهدف إفساح المجال لعملية الإغاثة الإنسانية كأولوية مرحلية وتهيئة الأجواء لعملية التسوية عاد وزير الخارجية الأمريكية ليؤكد على مضاعفة الجهود الدبلوماسية الأمريكية لوقف إطلاق النار، وهي الاستراتيجية التي أعلنت عنها الإدارة من اليوم الأول لها في البيت الأبيض، وتأكدت خلال الزيارة اللافتة للرئيس جو بايدين إلى مقر الخارجية وتركيزه على إنهاء الحرب في اليمن في إطار اعتماد خيار” قوة الدبلوماسية" في السياسة الخارجية بشكل عام، لكن في المقابل لم ردت طهران بحملة ”تكسير العظام" وفقًا لـ”قاآني"، أو دبلوماسية ”المقايضة" التي اعتمدها ظريف “وقف دعم التحالف مقابل دعم الحوثيين".

عمليًا؛ لا يمكن لواشنطن إقناع الرياض بالتراجع عن الخيار العسكري في اليمن كرد فعل على التصعيد الحوثي، فقد اضطرت الولايات المتحدة توجيه ضربة للمليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا بعد تعرض قواتها لهجمات مماثلة في العراق، وزادت القوات الأمريكية من قواعدها العسكرية في سوريا (قاعدة اليعربية في ريف الحسكة الشرقي) بعد أسبوع واحد من تولي الإدارة الأمريكية السلطة. ولا يعتقد أن واشنطن ستواصل عملية الانسحاب الأمريكي من العراق وفق الجدول الزمني الذي ينتهي العام المقبل 2022؛ بل إن بلينكن صرح بأن الوضع الحالي في العراق في ظل الهجمات التي تدعمها إيران يثبت الحاجة إلى ضرورة البقاء هناك، كما تظهر صلابة في التمسك بشروطها في العودة إلى طاولة المباحثات لاستئناف العمل بالاتفاق النووي لاعتبارات تتعلق بمصالحها أولًا في المنطقة ثم مصالح حلفائها التي تتطلب عدم تقديم تنازلات تسمح لإيران بالتوقف الإقليمي، وتعزيز قدراتها العسكرية على نحو ما جرى في فترة سريان الاتفاق النووي بين العامين 2015 – 2018.

إن السيناريو الأقرب هو تحول المبادرة الأمريكية لوقف الحرب في اليمن إلى ما يشبه الموقف من المبادرة الأممية التي تقودها البعثة الأممية، على نحو ما جرى في "استكهولم ديسمبر 2018"، التي ستحتاج إلى جولات لتشكل صيغة جزئية يمكن القبول بها لكنها غير قابلة للتنفيذ، وهو الدرس الأول الذي لم تستوعبه الإدارة الأمريكية من دروس الحرب في اليمن، فقد بادرت إلى شطب المليشيا الحوثية في اليمن. في المقابل لم تبادر المليشيا الحوثية إلى خطوة مقابلة، وجاء التقييم الأول للخارجية الأمريكية في نهاية أول شهر لإدخال المساعدات سلبيًا، حيث أكدت الخارجية على تحويل المليشيا الحوثية لمسارات المساعدات، وعرقلة وصول بعضها لا سيما مشتقات الوقود، وبالتالي فالنتيجة في الأخير أن المليشيا أعادت توظيف الموقف الأمريكي الخاص بالمساعدات لصالحها، حيث تعمل على توجيه المساعدات الإنسانية لصالح عملياتها العسكرية، فضلًا عن التوظيف الاقتصادي بإعادة توجيه جانب من تلك المساعدات إلى السوق السوداء وجني أرباح مضاعفة.

الخلاصة أن معادلة الاشتباك تتطور لكنها لن تتغير في المرحلة الحالية، إذ يمكن القول إن قناعات الأطراف المنخرطة في الحرب في اليمن تتجه إلى تغليب خيار الحسم العسكري مرحليًا، ولا يعتقد أن أي طرف سيتجه إلى وقف إطلاق النار في ظل التعقيدات الإقليمية والمحلية قبل حسم معادلة موازين القوى بشكل استراتيجي لصالحه، لم تعد المعادلة الإيرانية في اليمن تتوقف عند حد توظيف الحوثيين كأداة في الصراع الإقليمي، في ظل النضوج النسبي للمشروع الحوثي الطائفي والهندسة الجيوسياسية له التي تخدم المصالح الإيرانية، وفي المقابل أصبحت الحرب مصيرية بالنسبة للرياض في إنهاء هذا التهديد الاستراتيجي الذي تشكله المليشيا الحوثية على نفوذها التاريخي في اليمن وخلق قوة طائفية في شمال البلاد متاخمة لحدودها على غرار قوة "حزب الله" في جنوب لبنان، ويبدو أن الطرفين لا تزال لديهما القدرة على مواصلة الحرب بلا أفق، فإن الاختبار الحقيقي لقوة الدبلوماسية الأمريكية على المحك وتبدو فرصته ضئيلة قبل أن تتغير موازين القوى لصالح التحالف والشرعية، وهي الموازين التي تتغير بشكل استراتيجي قبل تحقيق اختراق نوعي في صنعاء والحديدة وليس في الجبهات المحيطة بهم.

"المركز المصري للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى