وسط تجاهل دولي.. لماذا يستميت الحوثيون للسيطرة على مأرب؟

> يوسف حمود

> لا يزال الهجوم الكبير لجماعة الحوثي المتمردة في اليمن، على مدينة مأرب شرقي البلاد، مستمرًا منذ نحو شهر ونصف، في محاولة للسيطرة على المحافظة الاستراتيجية، وسط تجاهل دولي لما قد يخلفه القتال من آثار على نحو مليوني نازح في المدينة.
ويحاول الحوثيون منذ نحو 6 سنوات السيطرة على المدينة التي تقع تحت سيطرة القوات الحكومية اليمنية، لكنهم كثفوا هجماتهم مؤخرًا بكل قوتهم، قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة المعترف بها خصوصًا في ظل ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للدفع باتجاه الحل السياسي.
وأصبحت محافظة مأرب اليمنية الجبهة الأكثر سخونة عسكريًا والأكثر اهتمامًا في الأوساط السياسية والمهتمين بالشأن اليمني، ليطرح تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء انتحار الآلاف من أتباع الحوثي على أسوار المدينة لتحقيق هدفهم.

قتال لا يتوقف
على مدار 6 سنوات مضت لا تتوقف جماعة الحوثي عن افتعال المعارك في عدد من المدن اليمنية وتوقفها بين الحين والآخر، لكن مع مأرب، القتال مستمر، ولكن بشكل متفاوت بين اشتباكات محدودة، وقتال عنيف يصل إلى المواجهة من نقطة صفر.
وما إن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مطلع فبراير، إلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية (طرحته إدارة ترامب)، حتى بدأ الحوثيون بشن هجماتهم على مأرب، مستغلين الضغوط الأمريكية على السعودية من بينها وقف بيع الأسلحة للرياض.

وحقق المتمردون تقدمًا في بعض المناطق باتجاه مدينة مأرب، وسط مقاومة كبيرة من قوات الجيش اليمني والقبائل، ودعم جوي محدود من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وحشد الحوثي قواته الموجودة في عدد من الجبهات داخل اليمن إلى مأرب، للسيطرة عليها، وهو ما انعكس على خسارتهم لمواقع في تعز التي حققت فيها قوات الجيش تقدمًا كبيرًا، وهو ما يعني أن المليشيا مصممة على السيطرة على المدينة الغنية بالنفط والغاز، حتى وإن خسرت مواقع في مدن أخرى.

النفط والقوة في الحوار
يسعى الحوثي خلال حشده الأكبر باتجاه مدينة مأرب، للسيطرة على المدينة، قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة المعترف بها دوليًا، خصوصًا مع تحركات أمريكية يقودها تيموثي ليندر كينغ، المبعوث الخاص بالرئيس الأمريكي إلى اليمن، للدفع باتجاه الحل السياسي.
وينظر الحوثيون إلى مأرب باعتبارها آخر مدينة شمالية تسيطر عليها الحكومة الشرعية، خصوصًا بعد سقوط معظم مناطق محافظة الجوف الحدودية مع مأرب والسعودية بأيديهم.

كما أن مأرب مدينة غنية بالنفط والغاز يصل إنتاجها إلى 20 ألف برميل يوميًا نصفها للإنتاج المحلي، كما تضم مصفاة "صافر"، إحدى مصفاتَي النفط في اليمن، في وقت لا تخضع لسيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية.
وإلى جانب ذلك، فإن السيطرة على مأرب تعني القضاء على أي مقاومة ضدهم؛ لكون مأرب المدينة الوحيدة شمالًا، التي لم تسقط بيد الحوثيين منذ أن سيطروا على الحكم في اليمن في سبتمبر 2014.

العقبة الكبيرة
يقول الصحافي اليمني محمد الشبيري، إن الحوثيين يعتقدون أن السيطرة على مأرب "بمثابة إحكام سيطرتهم على شمال اليمن، باعتبار مأرب العقبة الكبيرة التي تقف في طريق مشروع الجماعة المسلحة".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يضيف أيضًا: "يرى الحوثي أيضًا أن السيطرة على مأرب وهي آخر المعاقل القوية للحكومة، هو حسم معركته نحو التهام كامل السلطة، أما الجنوب فهو تحصيل حاصل، فالانتقالي جاهز للانقضاض على الحكومة، وسيجري الطرفان تفاهمات واتفاقات".

ويرى أن القوات الحكومية اليمنية "تقاتل على آخر قلاعها، بمساندة من التحالف الداعم لها، وإن كانت بصورة ليست كما ينبغي".
وفيما يتعلق بالصمت الدولي، خصوصًا أن المدينة تحتوي على أكثر من مليوني نازح جلهم هربوا من الحوثيين، يقول الشبيري: "الصمت الدولي يستند إلى مخطط أكبر لإضعاف دول المنطقة، وتسليمها للفوضى. لا شيء يهم المجتمع الدولي سوى مصالحه، ما عداها فهو حديث للاستهلاك الإعلامي فقط".

موقف دولي "متراخٍ"
لم تحظَ مأرب بالتحرك الدولي اللازم كما كان في المعارك في مدينة الحديدة قبل عدة أعوام، فالموقف الدولي اقتصر على بيانات محدودة، يصفها اليمنيون بـ"الخجولة".

فقد خرجت الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي ببيانات تدعو إلى وقف الحرب في مأرب، والمضي نحو سلام دائم ينهي مأساة اليمن ويخفف من آثار الحرب الإنسانية، على عكس معارك الحديدة منتصف 2018، التي سارعت الأمم المتحدة لوقف الحرب عبر اتفاق "استوكهولم"، بعدما كانت القوات الحكومية والتحالف على مشارف المدينة.

وكان الموقف الحكومي اليمني الغاضب من المجتمع الدولي واضحًا، ففي 4 مارس 2021 قال رئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك: "إن الموقف الدولي المتراخي في التعامل مع مليشيا الحوثي يدفعها لتحدي جهود إحلال السلام ويشجعها على ممارسة المزيد من جرائمها وإيغالها في دماء اليمنيين ومضاعفتها للأعمال المهددة لأمن اليمن وجيرانه ومحيطه الإقليمي والعالمي".

ومع بداية المعارك بمأرب مطلع فبراير، انتقد نائب الرئيس اليمني علي محسن صالح، الموقف الدولي من جماعة الحوثي، ووصفه بـ"المتردد وغير الحازم، في التعامل مع جماعة الحوثي كجماعة إرهابية عنصرية".

موارد مستدامة
يتفق الباحث السياسي نجيب السماوي مع ما طرحه الشبيري من أن الحوثيين يريدون من السيطرة على مأرب، لـ"استكمال مشروعهم للسيطرة على جميع مدن الشمال"، لكنه يعتقد في الوقت ذاته أنهم لن يتوقفوا عند مأرب؛ بل قد يتمددون إلى مدن جنوبية أخرى.
ويرى أن الأهم من ذلك بحسب ما يريده الحوثيون، هو "تأمين موارد مستدامة قبل الذهاب إلى مفاوضات تحت الضغط الأمريكي، وربما فتح جبهة أوسع عند المنطقة السعودية الشرقية".

ويقول : "كما أن لهجوم الحوثي الراهن على مأرب تفسيرات عديدة، أبرزها أن إيران تريد بعد تعيينها حسن إيرلو سفيرًا لها في صنعاء أن تكون لها اليد الطولى في البلاد، وأن التصعيد قد يدفع إلى تحسين موقف إيران بشأن ملفها النووي".
ويضيف: "مرة أخرى ممكن القول إن هدف الحوثيين هو تحسين موقفهم التفاوضي، لكن ذلك لا يعني أنهم لن يتخلوا عن فكرة التقدم أكثر ربما نحو شبوة وحضرموت وهي مدن تهم الحوثي في الموارد النفطية".

"الخليج أونلاين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى