مدينتي

> ميرفت وديع حداد

>
ميرفت وديع
ميرفت وديع
تلكَ الطفولة العتيقة جَذَبَها الصّوتُ، بيتي ومدينتي ومُحيطي كلها أصواتٌ شكّلت طفولتي.
وُلدتُ في عدن سيمفونيتي الأولى، وكان بيتُنا ككُلّ البيوت العدنية، بيوت علمٍ وثقافة. كانت الحياة لدينا بما تصدرهُ من أصواتٍ، فالصوتُ حين ينتظمُ يصبحُ موسيقى تضيءُ مرايا الروح، وتصنعُ حريّةً مُطلَقَة.

طفولتي مُهمة جداً، زرقة البحر فيها وانعكاسات الشّمس والحُلم على قمةِ جبلٍ ووراء سحابة، وكل الأضواء في ذاك الأفق كانت مُهمة جداً، ففي مدينة الإدهاش كانت تُعزَفُ أوتار العود والغيتار والكمنجة، حتى الصّمت الذي كنتُ أتقنهُ جيداً آنذاك كان كائناً وجُزءا من الصوت أيضاً.
كُلّ شيء فيها كان يستنطقُ جمالياته، كل شيءٍ كانَ داخل اللّحن والإيقاع، وتكاد تراهُ خارج البصر، ولم أكن وقتذاك على درايةٍ بما يجول في تخوم ذاتي، لكنّ الظلال كانت ترهفُ السمع إليَّ، وتُزيّن أشجاني وتجعلُني أتلمّسُ ملامح الحياة.
لقد منَحَتْنَي مدينتي المُثقلة بالحياة سيمفونيات بصرية، واحتجزت ذاكرتي وخوالجي في صورٍ شتّى، حتى فعل الكتابة لديَّ حدثَ ذلكَ فطرةً وغريزة، دون وعي مني ومن دونَ علمٍ منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى