يا توّاب

> نحنُّ إلى وطنٍ مستقر، إلى عدنٍ مثل زمان، إلى رمضان يعبُق بتواشيحه وصوت المآذن، إلى جلسات السمر والمؤانسة أمام البيوت في حوافٍ تزهو بصبغة الموسم الفضيل.
هذه الأُم التي خرجت من بيتها للتو في ظهيرة رمضان، تقصد دكان الحارة، كانت تصنع في عيون الأطفال فرحاً غامراً وهي تجلب لهم قصعة الكاستر وقرطاس العطرية وقارورة الڤيمتو يرونها كأنها جلبت لهم الدُّكان كله، لأن النفوس كانت تفيض بخُلُق القناعة.

تعالوا أيُّها الكبار امنحونا شيئاً من بهجة أيامكم التي خَلَت يوم كانت البساطة عنوان السعادة والفَرَح.
انظروا الآن إلى جواري التسوُّق تدور في زوايا وأروقة المولات بما لذّ وطاب، بينما الفرح ناقص واستقبال الشهر باهت والنفوس غير راضية، لأن الناس افتقدت كنز القناعة.

من كان يعتقد أن زماناً سيأتي في رمضان وقد نسي الناس هذا الدُّعاء والنشيد "يا توّاب تُب علينا وارحمنا"، بينما يتذكّرون ويحفظون أن عندهم ليندر كينج ومارتن جريفيثس وكوفيد 19.
كان الناس سابقاً مع قُرب رمضان ينتظرون من حكومتهم أن تستورد لهم مستلزمات رمضان من ألبان وأجبان وكريمات، بينما الآن ينتظر الناس من الحكومة أن تورّد لهم لقاح إسترازينيكا.

مضت أزمان إذ كان الأهالي في الريف والحَضَر يطلقون مبادرات للصدقات وإفطار الصائمين والتكافل الاجتماعي من خير البلد، بينما يحضر الآن زمن المبادرات لمبعوثين في جولات مكوكية من نيويورك إلى مسقط إلى الرياض، ومنظمات تستصرخ العالم أن اليمن فيه شعب جائع يشرف على الموت والهلَكَة.
ذهب زمان كان الناس فيه يتشوقون لسماع مدفع الإفطار والسلام مع حلول المغرب، ثم جاء زمان رُكِزَت فيه مدافع الحرب والقتال في الجبال والسهول تقذف بنارها في الليل والنهار من أجل القتل والتدمير .

في بلدنا تتحوّر مبادرات السلام مثل تحوّرات كوفيد 19، بينما تستبعد "الصحة العالمية" تسرُّب الفيروس من المختبر وترجّح أن الخفّاش مصدر لكورونا، ونحن نخبرهم أن "خفّاشنا" اليمني جلب لنا فيروس الفقر بقدرة فائقة وما وجدنا له لقاحاً.
مسكينة إليزابيث ميدينا فقدت حاسّة الشم بعد ثلاث أيام من إصابتها بكورونا، إنها تضيف كميات كبيرة من التوابل في أطباقها وأعشاباً عطرية للشاي الذي تشربه لتحفيز حاسّة الشم لديها، بينما اليمني الغلبان "يكرع" له فنجان شاي ملبّناً من مقهى الشجرة وصلّى الله وبارك.

بمنطق العصر على المواطن أن يلتزم الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء، لكن كل بلاء يُريد أولاً صوتاً ينبعث من أعماق الروح يقول "يا توّاب تُب علينا، وارحمنا وانظر إلينا".
نُريد توبة من الحرب والقتل والفساد والجريمة والخصومة، توبة يلتزمها الكبار من عليّة القوم، ثم من يليهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى