الحرب الاقتصادية على الجنوب

> نظمت الدائرة الاقتصادية بالمجلس الانتقالي ورشة عمل تحت عنوان الحرب الاقتصادية على الجنوب، واستعرضت المداخلات المقدمة واقع الحال الاقتصادي الذي بلغته الجنوب جراء مسلسلات العبث، التي طالت كافة مرافقه ومؤسساته الإنتاجية، بكل ما لازمها من تسريح قسري لأعداد هائلة من العاملين والكوادر التي كانت تدير مجالات صناعية ومؤسسات ناجحة، لم تكن تعاني من أي صعوبات كانت، إلا أن تلك المرافق والأصول كانت محط أطماع أدت إلى تدميرها بالكامل.

فحين يتم استعراض فصول تلك المأساة تنكشف تأثيراتها العميقة التي امتد ضررها الشديد إلى المجتمع الجنوبي، وهي صورة يمكنكم قراءتها من معطيات عدة نعيشها جراء ما حدث.

ورشة العمل الآنفة الذكر الهدف منها وضع بعض المخارج العملية التي يمكنها أن توجه الاهتمامات إلى قطاعات مهمة على هذا الصعيد، منها تحديداً قطاع الصناعة التي كانت تشكل عائداتها رافدا للخزينة العامة، وحين أصابتها تلك التصفيات المتعمدة فقدت قدرتها على الاستمرار، في ظل نمط غريب مما سمي الخصخصة، التي لم تكن سوى توزيع تلك الأصول غنائم.

وهنا يبرز السؤال المنطقي، ما قدرة الجنوبيين على معالجة مثل هذا الواقع المرير؟
الأمر يرتبط دون شك بعوامل استقرار أمني سياسي، وهو ما يجعل الحديث عن إمكانية ذلك في هذه الأثناء أمورا متعذرة.

ناهيك عن حالة فقدان أصول تلك المرافق والمؤسسات وتعقيدات الوضع الاقتصادي الراهن بكل ما تلازمه من ارتفاعات سعرية وغياب الموارد الضرورية، سواء من خزينة الدولة أم الاستثمارات التي هي بحاجة لعوامل امأن، إلا أن ذلك لا يمنع، وفق كثير من الدراسات، من إعادة الأنشطة الاستثمارية الممكنة، خصوصا على صعيد بعض المصانع الإنتاجية التي تتوفر خاماتها في البيئة، فعلى الأمل يمكن البدء في مثل تلك النشاطات الإنتاجية المربحة، ثم الشروع بوضع المعالجات الممكنة، خصوصاً في قطاعات الأسماك التي تتعرض بيئتها البحرية للعبث والنهب، وهو القطاع الذي تم توزيع مساحاته البحرية كغنائم فيد بين الأطراف المتحالفة على غزو الجنوب في حينها، ومازال الحال على ذلك التقسيم الذي يستنفد ثروات الجنوب بصورة فاضحة.

اللافت أن ورشة العمل استطاعت التركيز على أهم القطاعات خصوصاً الإنتاجية والخدمية مع استعراض ما جرى لها على مدى عقود.

فعلى صعيد صناعة وتعليب الأسماك التي كانت ناجحة لم يعد الحديث يجري إلا عن هياكل إنتاجية، تم العبث بمقدراتها، على نحو ما حدث لمصنع الغويزي لتعليب الأسماك، وما طال المعهد السمكي بعدن من تدمير تام، والمعهد الذي توصي ورشة العمل إعادة إحياءه والاهتمام به، كونه يرتبط بواحد من أهم القطاعات التعليمية المرتبطة بجانب مهم من مواردنا المعيشية.

كثير من المتخصصين ممن قدموا مداخلاتهم استطاعوا ملامسة الوضع عن قرب، بحكم ما لديهم من مهام وخبرة على صعيد مرافق ومؤسسات عملوا فيها لعقود مضت.

من بين تلك المداخلات مشكلة مياه عدن التي استعرض صاحبها ما كان عليه الحال حتى عام 1990م، وما جرى بعد ذلك من تغيير وتدمير كانت من نتائجه ما تعيشه عدن والجنوب عموماً من صعوبات في الحصول على تلك الخدمة الضرورية، إذ أشارت المداخلة إلى جفاف كثير من الحقول التي كانت عدن تستمد منها مياهها، الأمر الذي دفع للبحث عن آبار وحقول يمكنها سد الاحتجاجات، إلا أن تلك المصادر المائية الهامة، وفق الطرح، باتت في خطر زحف البناء العشوائي، الذي طال مساحات تلك المناطق، التي يفترض أن لا تتعرض لما هو قائم من تهديد، كما أشارت الورثة إلى فقدان مؤسسة المياه نظام عملها السابق، ناهيك عن فقدان الموارد والدعم، ما جعلها تعاني صعوبات متنوعة بعد أن تم إغراقها بالعمالة الزائدة، ونحوها من المعالجات الخاطئة.

وهكذا الحال على الصعيد النفطي ومشكلاته المتنوعة، بما في ذلك تقاسم الآبار والعائدات ونحوها من الأطماع التي طالت هذا القطاع شديد الأهمية.
الكهرباء، أيضا بما طالها من تدمير وعدم صيانة، ففكرة التعاقدات مع القطاع الخاص التي شرعت لممارسة الصفقات الفاسدة وتبديد ملايين الدولارات دون أن تشكل حلاً على صعيد الطاقة الكهربائية.

اللافت أن ورشة العمل تلك قد تميزت بطرح محاور عدة وذات أهمية على الصعيد الاقتصادي، ويمكن الاستفادة من مخرجاتها ولو بالحد الأدنى.

والمجال لا يتيح لي عبر هذه العمالة استعراض كافة الأوراق المقدمة، بما فيها عقارات عدن، وبعض معالمها التي مازالت في مجرى العبث والنهب. ممالح عدن الشهيرة وما أصابها من بلاء، ميناء عدن التجاري كأحد أهم المنافذ البحرية العالمية، مصافي النفط التي تعيش أسواء حالاتها، المنطقة الحرة وخارطتها التي لم تخرج من نطاق ما جرى لعقارات المدينة عموماً.

ماض يتم من خلاله قراءة الحاضر المرير المؤسف فهل من ضوء في نهاية النفق
إنها الحرب التي لم تضع أوزارها حتى اللحظة على الجنوب عموماً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى