الجنوب في قلب صراع الإقليم والعالم

> لا أدري لماذا العالم والإقليم مفتون بحب شديد للوحدة اليمنية؟ ويصر على سلامة اليمن ووحدة أراضيه في كل بياناته إذا كان الأمر يتعلق بأن هناك دول أجنبية تتنازعه وتهدد سلامته ووحدة الأرض فهذا شيء إيجابي وسليم ولكن إذا كان الأمر يخص وحدة الدولتين في عام 90 بين الشمال والجنوب فهذا يتناقض حتى مع قرارات دولية التي ترفض الوحدة بالقوة وخاصة بعد حرب دامت سبعين يومًا شنها الطرف الشمالي ضد الجنوب وتمت السيطرة عليه بالقوة المسلحة.

ولهذا فالوحدة كمشروع سياسي تصالحي تنموي يخدم مصالح الشعب والشعوب المجاورة بين الجنوب والشمال قد سقط وفشلت الوحدة، فالجنوب قد ذهب من أجل ذلك إلى صنعاء، ولكن المشكلة في اختطاف الوحدة من قبل تحالف قبلي وعسكري من طرف الشمال وتحويلها إلى بؤرة توتر وحروب وإقصاء واستحواذ على الثروات والوظيفة العامة وتسريح غالبية الجنوبيين من وظائفهم؛ بل واستمرت عملية الاغتيالات بشكل ممنهج للكوادر الجنوبية العسكرية والمدنية منذ العام 90 حتى اليوم في العام 2021

السؤال إلى متى سيظل العالم والإقليم رهينة لرغبات المركز المقدس في صنعاء؟ ومتى سيفيق من سباته؟ ولا أحد يدري ما هي التميمة التي وضعها هذا المركز لكي يقفل عقل العالم والإقليم عن التفكير بعقلانية ومسؤولية ويعكس مصالحه الأساسية وينظر لحقائق الأمور بعين العدل والإنصاف فالاستمرارية على هذا المنوال يعطي رسائل خاطئة لهذا التحالف الذي لا زال قائمًا وإن تبدلت الأدوار والأماكن لمواصلة نهج التعالي والاستعمار تجاه الجنوب.

للتذكير فقط
التحالف العسكري القبلي الذي أدار اللعبة السياسية في المركز المقدس (الوحدة أو الموت) قد غزا الجنوب في صيف 1994م وجرف كل شيء فيه، ولكنه فشل في إخماد شعور الرفض والمقاومة لدى الجنوبيين وكان الحراك السلمي الجنوبي أبرز مظاهر الرفض الذي تم التعامل معه بمختلف وسائل العنف والاستعلاء والتجبر وكان ذلك مقدمة لسقوطه الذي كان مدويًا فيما بعد عبر ما يسمى بثورة 2011 وعند تلك اللحظة ذهب العالم والإقليم لإنفاذه وفشل في الوساطة لتقاسم السلطة على الرغم من رمي كامل ثقل المجتمع الدولي والإقليمي لإيجاد تسوية ولكنه لم يستطع، وبعدها انقسم المركز المقدس إلى طرف ذهب ليجلب إيران إلى حلبة الصراع والآخر ذهب ليستنجد بالسعودية لإعادته إلى صنعاء وكانت الحرب التي تستمر حتى اليوم في عامها السابع.

ألم يلحظ العالم والإقليم أن تلك مجرد لعبة هدفها الرئيس الحفاظ على الجنوب منطقة استثمارية وحيوية خالصة لذلك المركز المقدس بشقيه القابع في صنعاء أو القابع في الرياض وأثبتت الوقائع بأنهم إذا اتفقوا يسيروا الجيوش نحو الجنوب لاحتلاله، وهذا ما حصل في حرب 94 م وإذا اختلفوا أيضًا يسيروا الجيوش لاحتلال الجنوب وهذا ما حصل في حرب 2015.

ألم يلاحظ العالم والإقليم بأن الجنوبيين حملوا سلاحهم دون أن يستأذنوا من أحد أو وضع شروط لمقاومة الغزو الجديد وتم طرده بمساعدة التحالف العربي وعلى وجه الخصوص الإمارات العربية المتحدة في غضون ثلاثة أشهر، بينما التحالف نفسه قدم دعمًا مهولًا للشرعية القابعة في الرياض لكنها لم تستطع أن تحرر محافظة شمالية بشكل كامل ولا يعني أنها غير قادرة ولكنها لم ترد أن تحرر شبر فيها، لأن عينها على الجنوب.

ألم يلحظ ذلك العالم والإقليم عندما ترك الطرف القابع في الرياض خوض المعارك مع الانقلابين في صنعاء واتجه جنوبًا لتحريره من أبناءه بعد أن تم سحب قواته من المواجهة في الجبهات باتجاه صنعاء وتحويلها إلى الجنوب المحرر وأصبحت اللعبة مكشوفة إن اتفقوا أو اختلفوا في المركز المقدس إلا أن هدفهم واحد وهو إعادة السيطرة على الجنوب.

حرب ولم تكن حرب بالمعنى المتعارف عليه، جيوش وهمية حسب اعترافات وزير دفاع الطرف القابع في الرياض، وانسحابات من مناطق محررة شماليه وتسليم مواقع واستسلام لقوات بكامل عتادها ويسمونها حرب استعادة الشرعية، هذه ليست غير حرب استنزاف للتحالف وتيهان وضياع لهدف عاصفة الحزم وتحويل بوصلتها جنوبا نحو الإبقاء على الجنوب تحت السيطرة للطرف المقيم بالرياض تحت مسميات الشرعية والاعتراف الدولي بهذه الشرعية.

اليوم تُعرض المبادرات على الطرف الذي كان يسمونه المتمرد في صنعاء وتتم مراضاته لكي يقبل وهو حتى اليوم يواصل معاركة الميدانية باتجاه مناطق النفط في مأرب ويهيل الصواريخ نحو المملكة لكي ترضخ وتستسلم لشروطه ويتداول المبعوثان الأمريكي والأممي على إيجاد حلول يرتضي بها الطرف الأقوى على الأرض وهو الذي كان يوصف بالانقلابيين على الشرعية وهو لن يوافق على أي شيء لا تقبله طهران وسيستمر في ممارسة الضغط في الميدان والمزيد من إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة حتى يرضخ العالم والإقليم لشروط إيران ومع كل ذلك العالم والإقليم يبرر تحركاته بالوضع الإنساني المتردي في مناطق سيطرة الحوثي بينما لا ينظر ذلك العالم والإقليم إلى الوضع المتردي في المناطق الجنوبية المحررة منذ ست سنوات حتى اليوم وكأن سكانها من كوكب آخر فالمنطق يقول إن الوضع الإنساني شيء لا يتجزأ وبالمقابل من حرر ثلاثة أرباع الجمهورية اليمنية وحتى وصل إلى مشارف مدينة الحديدة وكانت قواته تقاتل في كل الجبهات من صعدة إلى الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية ولا زال يقاتل على مشارف محافظة إب هي القوات الجنوبية لم يعطَ لها أي اهتمام أو حتى التشاور فيما يخص وضع الترتيبات لإيقاف الحرب وموقعها أي موقع الجنوب في أي حوار قادم لوضع حلول للقضية الجنوبية التي تعتبر مفتاح أي حل قادم ومحور كل القضايا المطروحة على طاولة الحرب أو السلام واعتقد أن إعادة النظر فيما يقوم به الوسطاء وأيضًا التحالف حول إشراك من كان منتصرًا في الحرب وحقق نجاحات على الأرض وقدم التضحيات الكبيرة ثمن لتحقيق هدف استعادة دولة الجنوب وهذا الهدف كان واضحًا للجميع بأن الجنوبيين ذهبوا للقتال ليس من أجل إعادة نظام 7:7 الذي غزا الجنوب في صيف 94 م ولا من أجل تقاسم السلطة مع من انقلب على الشرعية في صنعاء وغزا الجنوب في عام 2015 ولكن من أجل استعادة هويته ودولته سلمًا أو حربًا.

العالم والإقليم والوسطاء يجب أن يحددوا أي نوع من السلطة يمكن أن يتقاسمها فرقاء الحرب هل هي سلطة ولي الفقيه التي تنشأ في صنعاء أو سلطة المرشد التي تمثلها الشرعية أم ماذا ؟ علمًا بأن هذه السلطات ليست شرعية ومنتخبه من قبل الشعب وهل يعقل أن تتم تسوية سياسية بين طرفين من نمط واحد يمثلان المركز المقدس وهذا تكرار لما حدث في المصالحة بين الجمهوريين والملكيين في الحرب الأهلية الأولى في سبعينات القرن الماضي وتركوا بقية القوى السياسية على قارعة الطريق ولهذا نضع هذه الحقائق أمام العالم والإقليم لكي لا يتكرر الخطأ وعليه يجب أن يكون الوسيط واضحًا فيما يقدمه فالجنوب لن يقبل أن يشترك في أي منهما وإذا كانت المصالح هي التي تحدد العلاقات بين الدول فالجنوب سيضمن مصالح العالم والإقليم المشروعة في الجنوب لكنه لن يقبل أن يعاد استعباده من جديد تحت إي شعار أو يافطة فالجنوب على مر الزمن كيان مستقل بذاته.

الذين يريدون استعادة الدولة عليهم تحرير عاصمتها ومناطقهم أولًا إذا كانوا جادين لا أن يأتوا ليكرسوا احتلال الجنوب من جديد تحت وهم الشرعية والمعترف بها دوليًا كشماعة لتكريس الاحتلال.

سأم الجنوب من التعامل معه كقطيع من البشر لا حق لهم بالعيش بكرامة تحّمل الكثير من التهميش ومحاربته في قوة يومه وفي هدر ثرواته وفي تعطيل خدماته ولن يقبل إن يظل سوط الإرهاب مسلط على رقبته منذ العام 90 ويتساقط أعداد كبيرة من كادره العسكري والسياسي تحت ضربات الاغتيالات والفاعل مجهول وحان الوقت لكي يستعيد هويته ودولته الحامية والراعية والضامنة لمستقبل الأجيال القادمة.

الجنوب لا زال يمد يده لمن يريد أن يحرر مناطقه من الانقلابيين ويمد يده للتحالف ليكون معه في تحقيق أهدافه ويمد يده للعالم لكي يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة ومحاربة الإرهاب واجتثاثه لكن لن يكن ذلك إلا بمقابل أن يقف الجميع مع الجنوب ومن لم يقف مع الجنوب لن يجد الجنوب معه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى