(بدل فاقد)

> تنتابني أحاسيس سلبية بالضعف والعجز وقلة الحيلة مع كل قراءة لما يكتبه الزملاء هنا أو في غير موقع، عما آلت إليه حياتنا من انهيار لم يستثنِ جانباً واحداً من جوانب الحياة، أشعر وكأنما الله خلقنا فقط لنشتكي إليه، وربما للبعض ممن يدعون أنهم ولاة أمورنا كشعب. جديدنا ليته كان قديمنا، فخلافاً لقانون التراكم الكمي المؤدي بمرور الزمن للتحسن النوعي تسير حياتنا في شكل متسارع باتجاه الفوضى المفتعلة وسيادة قانون الغاب. نحن كشعب وبلد كان ذات يوم دولة محترمة فقدنا خاصية التناغم مع الحياة ومع العالم. هذه الفوضى التي تسود حياتنا ليست وليدة اليوم أو أمس أو ما قبلهما. إنها نتاج عمل تدميري منظم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، صممت فيه كل جزئيات منظومة الحياة والحكم بناء على مقاييس (شخصية وعقلية) الضابط المغامر والمنفلت ورفاقه من أشباهه الذين أصبحوا حكاماً، بل متحكمين في حياتنا وعلى قاعدة هي مثل قاعدة ذاك الحاكم الذي تعاقد مع المهندس سنمار ببناء القصر العظيم الذي إن أزحت منه حجراً معينة إنهار القصر على من فيه، وهو ما آلت إليه الأمور في هذه البلاد بعد أن أسقط الشعب تلك العصابة فانهار كل شيء وتبخر ما تبقى من أجهزة الدولة على يد الضابط نائب الضابط الذي باركته حاكماً إلى حين الأيادي المباركة من الجغرافيا المقدسة في الشرق وفي شمال الشمال. انقلبت الأمور بين ليلة وضحاها وابتلع فتية الشمال كل ذلك الهيلمان وكل تلك القصور والدور، وفككت الآلة الحديدية وتمت إعادة بناء آلة حرب جديدة على أيادي فتية الكهف، لكنها هذه المرة مدعومة برضى السماء ودعاء الملالي وبمحاضرات وملازم فكر جديد قديم. أذيبت كل أوراق قوانين النظام في شبكات المجاري، وجعلوا مدادها يختلط بمياه مجاري صنعاء وعدن التي صممت بأتمتة تسمح بالطفحان المستمر إن سقط أو غاب السلطان. الجمعة هي الجمعة والخطبة هي الخطبة، نجتر مآسي متنوعة من صناعة الداخل، وأغلبها من الخارج. نتحاكاها كسيرة أبوزيد الهلالي في كل أوقاتنا. حفظنا مآسينا وصرنا نتوقع متى تحدث المأساة (أ)، ومتى تحل المأساة (ب) و (ج).. إلخ. ومع كل مأساة نتجه شمالاً باتجاه القبلة رافعين أكفنا وأصواتنا بدعاء المستغيثين، لكن لا أحد يسمعنا.

في حوار مع صديق أضاع جواز سفره مع بعض النقود، وحسب قول ذلك الصديق: إنه سيتنازل عن النقود لمن يعيد له الجواز، قلت له إن النقود هي من أضاع الجواز، وعليك أن تبحث عن حل آخر. قال لي ليس هناك حل آخر سوى أن أجري في ماراثون البحث عن جواز جديد ومعاملات جديدة للحصول على بدل فاقد. فجأة شعرت بوقع غريب للجملة (بدل فاقد)، وفجأة وجدتني أكرر نعم.. هو الحل بدل فاقد. وقعدت أحصي كم عددهم؟ كثيرون.. نعم كثيرون هم (بدل فاقد) الذين نحن بأمس الحاجة للحصول عليهم. نعم إننا بحاجة لقادة وكثير من المقدرات التي ضاعت في أتون حروبنا، بحاجة لأمن وجيش. لمعاهد وجامعات ومدارس وطرقات وشبكات مياه ومجارٍ واتصالات ومطارات وغيرها، وكل هذه الأشياء يجب التعويض عنها بإيجاد (بدل فاقد) لها. وأهم (بدل فاقد) ينبغي تعويضه هم الرجال الشرفاء الذين أضعناهم في مسيرتنا الطويلة خلال نصف قرن من الزمان.

رمضان مبارك وكريم عليكم أجمعين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى