كلمات في رمضان .. الدعاة والعصاة

> معلوم أن هذا الصنف هو أكثر أصناف المدعوين من المسلمين، فالمسلم غير معصوم بل جاء في الحديث: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، والإيمان يزيد في قلب العبد وينقص، ووازع الله في قلب العبد قد يضعف مع الغفلة وغلبة الشهوة، فيقبل الإنسان إغراء الشيطان وإغواءه فيقع في المعصية.
والمعصية تدل على جهل صاحبها، فلولا جهله ما عصى الله تعالى، جاهل باطلاع الله عليه وتمكنه منه، جاهل بضرر المعاصي وعواقب الذنوب، ولو علم ضررها واستحضر خطرها لفر منها.

وقد بين ربنا جهل العصاة في كتابه فقال: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيما)) (النساء:17)، قال مجاهد وغير واحد من أهل العلم: "كل من عصى الله خطأً أو عمدًا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "من جهالته عمل السوء". وقال مجاهد أيضًا: "كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها".

ومما يدل على جهل العاصي اتكاله على عفو الله ورحمته، ونسيانه أن رحمة الله قريب من المحسنين.
إذا كان هذا حال العصاة فإن على الداعي أن ينظر إليهم نظرة إشفاق ورحمة، فهو يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك.

فليس من حق الداعي ولا ينبغي له أن يحتقر العصاة، وأن يفتخر بنفسه عليهم، وإنما يستحضر فضل الله عليه وحفظه وستره إياه، فلولا نعمة الله عليه لكان مثلهم أو أسوأ منهم، ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه لو اختلفت الأدوار، فلو شققت فلربما يكون العاصي في قلبه من الإيمان وحب الله ورسوله وحب الناس ما يفوق ما في قلب الداعية، لكنه فقط بحاجة إلى من يعطيه مفاتيح أبواب صدره ليفيض بما فيه.

والخلاصة أن إخراج أهل المعاصي من معاصيهم وتخليصهم منها وفتح طريق النجاة والتوبة والعودة إلى الله أمامهم هي غاية الداعي وما يسعى له، وما كان غير ذلك فهو نفاقا اجتماعيا ودينيا مع الله والناس، ويصبح الداعية كأنه الأفعى التي تلبس فرو الأرنب.

فإذا كان العاصي ممن يؤذي الدعاة وأهل الإيمان ويحاربهم وجب نصحه بما يغلب على الظن قبوله، فإذا تجبر ولم يقبل النصح جاز للداعية في هذه الأحوال أن يسلك معه ما يكف به ضرره عن الدعوة والدعاة بالقدر الذي يبيحه الشرع، دون تجاوز القدر، وأن يتوسل بالأسهل فالأسهل من الوسائل، ومع الرغبة التامة في هدايتهم وصلاحهم، آخذًا بالسبب، تاركًا النتيجة على الله الذي بيده مفاتيح قلوب العباد ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (القصص:56).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى