التباهي الإيراني بتسليح الحوثيين.. ورقة مساومة في المفاوضات النووية

> زكريا الكمالي

> ​لم يشكّل الاعتراف الإيراني الأخير بدعم جماعة الحوثيين في اليمن بالسلاح في حربها ضد الحكومة المعترف بها دولياً و"التحالف العربي" بقيادة السعودية، أي مفاجئة، بقدر ما قطع الشك باليقين حول حجم الدور الذي تؤديه إيران في اليمن. ومنذ اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء أواخر عام 2014، والانقلاب على الدولة، انتهجت إيران أسلوب التستّر في تقديم الدعم العسكري واللوجيستي لحلفائها في اليمن، وإن كانت تجاهر بالدعم السياسي طيلة الفترة الماضية. لكنها أعلنت قبل أيام، على لسان المساعد الاقتصادي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال رستم قاسمي، أنّ الفضل في التطور العسكري للحوثيين يعود إليها، فضلاً عن إقراره بوجود "عدد قليل من المستشارين من الحرس الثوري لا يتجاوز أصابع اليد" في اليمن، وهي الصيغة نفسها التي تستخدمها طهران للحديث عن قواتها الموجودة في سورية أو في العراق.

وكان لافتاً أن وزارة الخارجية الإيرانية انتظرت يومين قبل أن تقرر احتواء تصريحات قاسمي بالقول في بيان، أمس الجمعة، إنّ هذه التصريحات "تتعارض مع الوقائع ومع سياسات الجمهورية الإسلامية في اليمن". وشددت الخارجية على أنّ "دعم إيران لليمن هو سياسي، وأن الجمهورية الإسلامية تدعم المسار السلمي للأزمة اليمنية وجهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي لهذه الحرب المدمرة". قبل أن يرد قاسمي على بيان الخارجية في تغريدة تمسك فيها بتصريحاته.

ويكتسب الإقرار الإيراني بدعم الحوثيين، على الرغم من محاولة تدارك الموقف أمس، دلالة هامة نظراً لتوقيت إعلانه المتزامن مع محادثات الملف النووي في فيينا ومع المحادثات بين الرياض وطهران. ووفقاً لمراقبين، فإنّ ظهور تصريحات قاسمي، فضلاً عن التسريبات التي أوردتها وكالة "رويترز" قبل أيام عن أن إيران وعدت باستخدام نفوذها لوقف هجمات الحوثيين على السعودية، وطلبت في المقابل أن تدعم الرياض المحادثات النووية، وذلك خلال محادثات جمعتها بالجانب السعودي في بغداد خلال وقت سابق من شهر إبريل الحالي، يكشف حقيقة المحرك الرئيسي للتصعيد العسكري داخل اليمن في الفترة الأخيرة.

ودفعت طهران جماعة الحوثيين للقيام بتصعيد عسكري غير مسبوق، وذلك بشن هجوم واسع على محافظة مأرب النفطية، أبرز معاقل الحكومة الشرعية شرقي البلاد، فضلاً عن هجمات صاروخية وجوية شبه يومية في العمق السعودي خلال العام 2021. وكان آخر هذه الهجمات فجر أمس الجمعة، إذ أعلن الحوثيون استهداف مواقع عسكرية ونفطية في العمق السعودي بواسطة 3 طائرات مسيرة، فيما أعلنت قوات التحالف اعتراضها جميعاً، واتخاذ الإجراءات كافة لحماية المدنيين. وقال المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، في بيان نشره على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، إن سلاح الجو التابع للجماعة، تمكن من تنفيذ "عملية هجومية بثلاث طائرات مسيرة" رداً على استمرار الحرب والحصار على اليمن. وذكر المسؤول العسكري الحوثي، أنه تم "استهداف مواقع مهمة وحساسة"، لم يكشف عنها، في قاعدة الملك خالد الجوية بمدينة خميس مشيط بطائرتين من طراز "قاصف K2"، فيما تم استهداف شركة أرامكو في جازان، جنوبي السعودية، بطائرة مسيرة من طراز "صماد 3".

ونجحت إيران على مدى سنوات في استخدام الحوثيين كأداة لإقلاق دول الجوار وخصوصاً السعودية، وأخيراً استغلال الملف اليمني كورقة مساومة لابتزاز المجتمع الدولي، إذ يبدو حالياً أنها تحاول جني مكاسب سياسية في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأميركية.
ومن الواضح أنّ العروض الإيرانية نابعة من مصدر قوة، فبعيداً عن الثقة العالية في الاستحواذ على قرار الحوثيين لمساومة واشنطن والرياض، ضربت طهران بالعقوبات الدولية عرض الحائط، وخصوصاً القرار 2216 الذي يحظر تصدير الأسلحة للحوثيين منذ إبريل 2015 وحتى اليوم.

ولم تكشف طهران يوماً بشكل دقيق، حجم الشحنات التي قامت بتهريبها إلى الحوثيين. لكن وفقاً لتقارير أميركية سابقة، تستخدم إيران سفناً لتوصيل إمدادات إلى اليمن؛ إما بشكل مباشر أو عبر الصومال، لتتحايل على جهود التحالف السعودي لاعتراض الشحنات، إذ يتم نقل شحنات الأسلحة إلى قوارب صيد صغيرة يصعب رصدها لأنها منتشرة في تلك المياه.

وأكدت تقارير استخباراتية دولية، وجود أدلة تظهر أنّ الطائرة بدون طيار "قاصف 1" التي يستخدمها الحوثيون في كثير من الأحيان لقصف العمق السعودي، صُنعت في إيران، ولم تصمم وتصنّع داخل اليمن، فضلاً عن أسلحة أخرى وذخائر من سلسلة طائرات "أبابيل" الإيرانية المزودة برؤوس حربية شديدة الانفجار وصواريخ مضادة للسفن وأخرى محمولة على الكتف.

في السياق، اعتبر مصدر في الحكومة اليمنية الشرعية، في حديث مع "العربي الجديد"، الإقرار الإيراني بأنه "دليل يكشف حقيقة الأجندة الإيرانية الخبيثة في اليمن". وأضاف أنّ "الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي لاتخاذ موقف صارم ضد طهران لدعمها جماعة مارقة على الانقلاب، وإطالة أمد الحرب ومفاقمة أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم".

من جهتها، تجنّبت جماعة الحوثيين التعليق بشكل رسمي على ما أورده الجنرال قاسمي من وقوف طهران وراء كافة التطور العسكري الحاصل لها. ويبدو أنّ العروض الإيرانية المتعلقة بوقف الهجمات الجوية في العمق السعودي، مقابل دعم الرياض لمفاوضات الملف النووي، شكلت هي الأخرى حرجاً بالغاً لجماعة الحوثيين التي لطالما نفت تبعيتها لطهران، وكانت دائماً ما تقول إنّ مشكلتها مع السعودية تكمن في أنها "ليست تابعة لأي أحد وأنها لو كانت كذلك لكان النظام السعودي قد اشتراها منذ زمن بعيد"، وفقاً لتصريحات سابقة أطلقها القيادي البارز بالجماعة، مهدي المشاط.

وحاول القيادي الحوثي المعين نائباً لوزير الخارجية في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، حسين العزّي، التخفيف من وطأة التصريحات الإيرانية على أنصار الحوثيين، بعد إظهار الجماعة بأنها مجرد أداة لطهران في المنطقة. وقال في تغريدة على "تويتر"، أول من أمس الخميس: "نحن في الواقع طرف غير مُرتهن، ولا نستطيع أصلاً أن نرتهن لأحد"، لافتاً إلى أنّ سبب ذلك يعود إلى أنّ ثقافتهم وتضحياتهم "بُنيت من اليوم الأول على السيادة والاستقلال". لكنه لمح ضمنياً إلى تلقيهم دعماً إيرانياً خلال الحرب، وأشار إلى أنّ "العلم والاستفادة من تجارب البشر حق مشروع ومتاح لكل البلدان والشعوب"، وأن الأهم من ذلك هو "الوقوف مع الوطن وامتلاك القرار وكامل الاستقلال"، في إقرار ضمني بالاستفادة من الخبرات العسكرية الإيرانية.

ولم تكن تصريحات قاسمي هي الأولى من نوعها التي أظهرت رغبة طهران في الاستحواذ على القرار الحوثي؛ عسكرياً وسياسياً. ففي أواخر فبراير الماضي، أعلن السفير الإيراني لدى حكومة الحوثيين غير المعترف بها، حسن إيرلو، رفضه للمبادرة التي طرحتها السعودية بشأن إنهاء أزمة اليمن، ووصفها بأنها "مشروع حرب دائم"، على الرغم من أنّ الموقف الرسمي للحوثيين حيال المبادرة انتهج مبدأ المراوغة والتحفظ على بنودها بهدف الحصول على تنازلات سعودية أكبر. واستغل حلفاء الشرعية تدخلات السفير الإيراني، للتصويب على جماعة الحوثيين التي دأبت على المعايرة بالسيادة المهدورة في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً من قبل السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر. وطيلة الفترة الماضية، أجمع المناهضون للحوثيين على وصف الدبلوماسي إيرلو بأنه "بات الحاكم العسكري لصنعاء".

العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى