تطاول الليل في عدن

> عليك أن تقتنص فرصة في ظلمة الليل الحالكة، كي تزود شاحنك الكهربائي بشيء من الطاقة، ومع أن تلك كانت فرصة ممكنة من قبلُ، إلا أنها باتت متعذرة بحكم قلة ساعات عودة التيار، وكان بمقدور بعضهم الحصول على شيء من الإضاءة عبر ما لديهم من مولدات، إلا أن ثمن البترول المرتفع جعل الأمر مستحيلاً هكذا، ويحاصرنا الظلام في عدن التي هي من أقدم الحواضر العربية، أو هكذا يفعل بناء الظلم غير المسبوق في حياتنا وكل شيء أعد بعناية فائقة بلا ذلٍ ربما لبعث صورة أخرى لهذه المدينة لا تكون معها ملامح تاريخها.

هنا يلهو صغارنا في ليالي رمضانية بدون مصباح نور يرون به ملامح وجوههم. كل شيء يبدو منطفئاً بعد أن خطف الخاطفون النور والفرحة، ورسم العابثون سيناريو مختلفاً يناقض ما كانت عليه الحياة في ربوعها، ربما بحثاً عن نسخة مدينة لا تحمل من صفاتها وتاريخها شيئاً عندئذٍ تكون قابلة للتجانس مع ما يعد لها.
أسواق بلغها الظلام وتجارة كاسدة لدى من كانوا يعدون أنفسهم لموسم ربح في رمضان.

حقاً لقد فقدت المدينة رونقها وبهجتها، وبدت ملامح أهلها الحزينة انعكاساً لحالة التضييق التي تمارس بحقهم بكل عناية وسادية. كل شيء أعد بطريقة عقابية غاية في الدقة ليس بداية بانهيار سعر العملة والغلاء الفاحش وانقطاع المرتبات وانعدام فرص العمل، ولا بالأمراض المنتشرة وحصاد الموت الذي يخطف الأنفس جلبته شائعات تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي، بل لعل أبرزها أخبار المازوت القادم الذي لم ترسُ سفينته بعد، وحين يحضر المازوت تخرج المولدات عن العمل، وهكذا تجري مسلسلات الرعب والإفقار بحق من أعياهم الحال في مدينة الظلام والعطش.

إنها بحقٍ صورةٌ تعبر بجلاء عن حالة التراحم التي أوجسها ديننا الحنيف، لكنها ليست انعكاساً لصدى صوت المآذن والواعظين، ولا هي تعبير عن حالة من التكافل والتراحم مع محيطنا العربي.
هكذا هي أحوال الجار العطشان الذي واهم الفقر حياته بصورة موجعة، ولف الظلام أرجاء مدنه وقراه. لا صلة للدعاء بما ينبغي أن يكون عليه حال التراحم والتكافل بكل ما يحيط من بؤس ولا بوقر آذان الأشقاء، ربما لأننا ببساطة فقدنا الأمل بكل شيء حتى نتطهر من عزتنا وكرامتنا وتاريخنا وأصالتنا العربية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى