صحابة رسول الله.. مصعب بن عمير "أول سفير في الإسلام"

> هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي، هو صحابي جليل من السابقين إلى الإسلام. ولد في مكة المكرمة ونشأ فيها، وأسلم سراً، وأمه خناس بنت مالك بن المضرب العامرية، وتوفي في العام الثالث الهجري في غزوة أحد، ولقب بأول سفير في الإسلام، وكنيته هي أبو عبد الله.
لم يكن للإسلام سفراء إلى أن جاء مصعب، فكان أولهم، فهو شاب منحه الله جمالًا ونجابة تألق بهما وسط فتيان قريش، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنه: ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير.
فقد كان يلبس أفضل الثياب، ويتعطر بأجمل العطور، فيعرف بأعطر أهل مكة، وكان رضي الله عنه صحابيًا من صحابة رسول الله الذين أسلموا، فأعلوا راية الإسلام، وكان مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب لنشر الدعوة، ونصرة الحق.

إسلام مصعب بن عمير
كان مصعب بن عمير يستمع إلى ما يرويه أهل مكة عما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأن الله أرسله مبشرا ونذيرا وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد، وقد سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع مع أصحابه بعيدا عن أهل قريش في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فلم يطل به الأمر حتى ذهب إليهم، فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فانسابت الآيات إلى سمعه وفؤاده، وأيقن أنه الدين الحق؛ فأسلم على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أبقى مصعب بن عمير أمر إسلامه سرا عن أهل قريش وعن أمه "خُنَاسُ بنت مالك"، حتى رآه "عثمان بن طلحة" يدخل دار الأرقم، ويصلي كصلاة محمد عليه الصلاة والسلام، فأسرع إلى أم مصعب يخبرها بخبر إسلامه، فطار صوابها وأمرته بالعودة إلى دينه، فلم يستجب لها، ووقف أمامها وأمام أشراف أهل مكة يتلو قرآن الله تعالى، فَهمّت أمه لتسكته بلطمة قاسيةٍ، لكن يدها وقلبها لم يطاوعاها، فأخذته إلى ركن قصيٍّ، وحبسته فيه، ومنعت عنه الطعام والشراب، وقالت أمه لن أكل ولن اشرب وأدَّهِن وأتخمّر وسأظل حتى ترجع عن دينك.

وكان مصعب رضي الله عنه يرى أمّه وهي تُصارع العذاب؛ لكي تضغط عليه فيرجع عن دينه، فأبى وتمسك بدينه، حيث كان يتعذّب حين يراها تسقط مغشيا عليها في الشمس.
وظل حبيسا حتى سمع بخبر الهجرة إلى الحبشة، فاحتال على أمه وحراسه، وهرب وهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين.

مصعب سفير الرسول إلى المدينة
بالرغم من صغر سنّه وحداثة عقله، إلّا أنه أظهر من الحكمة ورجاحة العقل ما يفوق ضِعْفَ سنِّه وعمره، ومن التصميم وقوة العزيمة ما يغير سير الزمان، فعندما عاد من الحبشة إلى المدينة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لأعظم مهمة في ذلك الوقت: أن يكون سفيرَ الرسول إلى المدينة المنورة يُفَقِّهُ الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة الأولى، ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام، ويُعِدَ ويهيئ المدينة إلى يوم الهجرة العظيم.

مضى مصعب إلى المدينة المنورة حاملا على كاهله مصير الإسلام في المدينة، وعندما وصل إليها لم يكن فيها سوى اثني عشر مسلما، هم الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، وما لبث أن مكث فيها بضعة أشهر حتى استجاب أهل المدينة له، ومنهم أسلم على يده سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وفي موسم الحج الثاني أرسل مسلمو المدينة وفدا يمثلهم وينوب عنهم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنةً بقيادة أول سفيرٍ في الإسلام مصعب بن عمير.

وهذا كله تمهيدا لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة بعد أن عذبهم كفار قريش، فكان لا بدّ من بلدٍ آمنٍ يستطيع فيه المهاجر أن يجد الأمان والحرية في عبادة الله تعالى وحده ونشر الإسلام.

غزوة أحد واستشهاد مصعب بن عمير
شهد مصعب مع رسول الله محمد غزوة بدر وأحد، وحمل مصعب بن عمير في غزوة أحد لواء المسلمين، وتقدم به في أثناء الغزوة، وفي أثناء المعركة هجم ابن خلف على الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يقتله، لكنه لم يتمكن من قتله؛ لأن مصعب بن عمير استقبل الضربة عن الرسول ليفتديه، وبدأ مصعب يقاتل في أرض المعركة وهو يحمل لواءه حتى أقبل عليه المشرك "قميئة الليثي" الذي كان يظن أن مصعب الرسول، فقطع يده اليمنى بضربة، ولكنَّ مصعبا رضي الله عنه كان ثابتا، ويقول: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ"، وبقي يحمل اللواء بيده اليسرى، فهجم الفارس المشرك "قميئة" على يده اليسرى فقطعها، فضمّ مصعبٌ اللِّواء بعَضُدَيه إلى صدره وهو يقول أيضاً: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ"، فضربه الفارس ضربةً ثالثةً بالرّمح، فوقع مصعب بن عميْر، وبهذه الحادثة استشهد مصعب.

ومات سفير الإسلام عن عمر لم يتخطَ الأربعين عامًا، فحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف على جثث الشهداء وهو يقول: ((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)) سورة الأحزاب الآية 23.
مات بن عمير الفتى الموسر الذي كان يلبس أفخر الحلل، ومات ولم يجد الصحابة ما يكفنونه به سوى بردة، إذا غطوا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا بها رجليه خرج رأسه، فأمرهم الرسول أن يغطوا رأسه، ودفن بن عمير مع من دفن من شهداء أحد، ضاربًا أروع مثل في البطولة والفداء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى