مات المخشف..

> ما أوجع وقع الخبر على قلبي وقلوب كل من عرف هذا الرجل النبيل.
لأكثر من ستين عاما صنع اسمه كصانع للخبر، حتى استحق أن يتوج بلقب ملك الخبر، فصار اليوم هو الخبر!

مات محمد عبد الله مخشف. لولا أن الموت حق لما صدقت أن من كان يصنع وينقل لنا الأخبار كل يوم تقريبا صار هو الخبر نفسه، وأن هذا الخبر هو الخبر الوحيد الذي لم يكتبه، ولن يقرأه!
مات المخشف. الموت وحده هو الخبر الحقيقي، وبقية الأخبار تحتمل الخطأ والصواب.

لستين عاما، وأكثر، كان الخبر شغله الشاغل، صنعته، مهنته، جعل منه مساحة للحرية وللشجاعة، لا صحافة بدون خبر، ومن الخبر تتفرع كل الأنواع الأخرى من تعليق، تحقيق، تقرير، مقال، افتتاحية إلخ ...
نادرا ما يذكر كاتب الخبر، الناس تحفظ أسماء الصحفيين من كتاب الرأي، المقال، المخشف صنع اسمه بنفسه، وجعل من الخبر حرفة، لم يمتهن غيرها بحثا عن الحقيقة، سعيا وراء المواجهة التي تدلنا على الحقيقة.

عاصر عهودا كثيرة، وصادق رجالات سياسة وفكر وأدب وثقافة من كل الاتجاهات، وعمل في صحف ووكالات أنباء، من عهود وسياسات مختلفة، ولكنه، في كل المراحل والظروف، ظل مخلصا للخبر وللحقيقة، وخلال ذلك كون ذخيرة من المعلومات، وذاكرة يعتد بها؛ فكان المستودع الذي يمكن الرجوع إليه، لمن أراد معرفة سير الأحداث والتطورات في هذه المساحة من الوطن، وكانت في أغلبها عاصفة، وبعضها دمويا، مأساويا، وكارثيا، ومخيفا إلى حد الفجيعة.

على الصعيد الشخصي، كان المخشف منحازا إلى كل ما هو إنساني، يكسب الأصدقاء بسرعة، ويحافظ عليهم إلى الأبد، ودود، حنون، وكريم، صادق وصريح حين يرى الخطأ، لكنه لا يصل بصراحته إلى حد التجريح، ولا إلى حد القطيعة.
مات المخشف، ملك الخبر صار هو الخبر!

ليس الموت يا صديقي ورفيق الحرف النبيل إلا سرنا الرهيب، الخبر الذي نحمله في داخلنا، الخبر الوحيد الذي لا نستطيع أن نكتبه حين يأتينا، لكنه حين يأتي يحملنا إلى أكثر من الحياة.
مات المخشف...

لا نملك يا حبيب العمر سوى ذلك الرحيل النبيل.
هذا هو مسارنا النهائي كلما اشتدت بنا ضائقة الحياة.

مات المخشف، إني مت بعدك!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى