الرياض وطهران.. مسار ملغوم في طريق العلاقات الثنائية

> حيدر الأجودي

> منذ صعوده إلى السلطة، كان يصفها بأنها دولة عدوانية، تسعى للسيطرة على المنطقة بنظامها المتطرف، بقيادة مرشدها الذي وصفه بأنه هتلر جديد في الشرق الأوسط، ولا فرصة للتفاوض معها، عاد الآن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليصف إيران مرة أخرى، ولكن بطريقة مختلفة عن السابقة، واعتبرها دولة جارة ويتمنى الخير لها!.

تغير كبير في الموقف السعودي تجاه إيران، فلماذا هذا الخطاب المختلف؟ وهل سنشهد تطور العلاقات السعودية-الإيرانية في الأيام القادمة؟ وهل سيكون هناك تطبيع عربي مع إيران؟ وكيف سينعكس هذا التطور على المنطقة بصورة عامة؟ وكيف ترى الدول الإقليمية والعالمية هذا التطور؟
خرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 27 أبريل الماضي فاجأ فيها أغلب المهتمين بالشأن الإقليمي بلهجته التصالحية الإيجابية مع جمهورية إيران، ووصفها بأنها جارة، وعلى البلدين أن يكون بينهم علاقة طيبة وقوية ومميزة، تربط بعضهم، فلدينا مصالح معهم، ولديهم مصالح معنا.

وأوضح موقع (بي بي سي عربي) نقلا عن أبن سلمان أن إشكاليات المملكة تجاه إيران تتعلق ببرنامجها النووي، ودعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، وبرنامج الصواريخ البالستية، وأضاف، حسب الموقع، أنه يعمل مع شركائه لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، والعمل على تجاوز حدة التوترات في المنطقة، وتكوين علاقات طيبة مع إيران، التي رحبت بدعوة ابن سلمان بتصريحات هادئة بعيدا عن كل أشكال التصعيد.

إذا فلماذا هذا التغير المفاجئ من جانب السعودية وعدد من الدول العربية تجاه إيران؟ للإجابة عن التساؤل، علينا أن نربط ما يدور من تغيرات كبيرة على أحداث الساحة الدولية، وأهم تغير هو رغبة الولايات المتحدة بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة راغبة بالانسحاب منذ الفترة الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما من منطقة الشرق الأوسط لتركيز جهودها نحو الجهة الأخطر والأكثر حساسية، وهي آسيا متمثلة بالصين وروسيا.

فهناك سيناريو قديم يوحي بأهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لأنها كانت تمثل مطامع للسوفييت، وسيطرة الولايات المتحدة على المنطقة تعطي قوة اقتصادية وعسكرية لها ضد السوفييت، أما الآن فلم تعد منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، لما حققته من اكتفاء ذاتي من النفط والغاز بعد أن كانت تعتمد على الشرق الأوسط، إضافة إلى معاناتها من تكاليف الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، التي قدرت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 بحوالي 6.4 تريليون دولار، وعلى المستوى البشري 7 الآف قتيل و 54 ألف جريح من القوات الأمريكية، حسب موقع واطسون للعلاقات الدولية، وقد عملت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن على تنفيذ الانسحاب الفعلي من أفغانستان بداية شهر مايو الحالي، الذي سينتهي في أيلول القادم، إضافة إلى خفض القوات الأمريكية الموجودة في دول الخليج، وتوجيهها في وقت لاحق إلى أماكن أخرى خارج منطقة الشرق الأوسط، وبعدما بدأت مرحلة التنفيذ، وحتى لا تضطر للعودة السريعة مرة أخرى، يتوجب على الولايات المتحدة ضرورة توفير الحماية اللازمة لمصالحها المتبقية في المنطقة، ومن أهم المخاطر على المصالح الأمريكية في المنطقة، هي وجود إيران حسب المخابرات الأمريكية، فما هي طرق التعامل مع إيران؟.

الولايات المتحدة جربت عددا من الضغوط في محاصرة إيران، ولم تفلح تماما، فقد جربت بضراوة العقوبات الاقتصادية منذ 1979، ولم تسجل نجاحا، وجربت الضغوط السياسية والدبلوماسية، ولم تفلح، فلم يبقَ إلا أحد أمرين: الحل العسكري، وهو مستبعد حاليا؛ لأن الولايات المتحدة تريد الخروج من المنطقة بأقل الخسائر، وليس التورط فيه أكثر، لذا توجهت الولايات المتحدة إلى الحل الأسلم، وهو المفاوضات التي بدأت في فيينا لإحياء الاتفاق النووي، وشموله ضمانات أكثر لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (إسرائيل ودول الخليج).

إذا ما تم هذا الاتفاق بصيغته الجديدة فستعود إيران إلى الحياة الطبيعية في محيطها الجغرافي والإقليمي بصورة أقوى مما كانت عليه من قبل، وهذا الأمر يقلق عددا من دول الخليج وإسرائيل، حسب ما يصوره الإعلام، فدول الخليج، طوال الفترة الماضية، لم تستطع أن تطور من أنظمتها العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها بمعزل عن الولايات المتحدة، ولم تنجح في عقد تحالفات خارجية يمكن أن تغنيها عن الولايات المتحدة، لذلك تشعر دول الخليج بالقلق حيال الانسحاب الأمريكي.

أما إسرائيل، فإنها تعتبر دولة عسكرية قوية في المنطقة، ومع ذلك تشعر أيضا بالقلق الشديد إذا ما تركتها أمريكا بمواجهة إيران، لأنها لا تستطيع التعامل مع إيران لوحدها والتغلب عليها، لتقارب الحضارات والمؤهلات العلمية والقدرات العسكرية، حسب موقع معهد الشرق الأدنى.
وأمر ملفت للنظر أن دول آسيا (الصين وروسيا) أيضا تشعر بالقلق حيال الانسحاب الأمريكي، لأن هدف الولايات المتحدة من الانسحاب من الشرق الأوسط هو تركيز اهتمامها على الصين وروسيا، فليس من مصلحة الأخيرتين أن تتحرر الولايات المتحدة من مشاكل ومستنقع الشرق الأوسط.

وعندما يدور الحديث حول السعودية، فإنها تفترض وقوع السيناريو الأسوأ، وهو خروج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط، ونفض يدها من أي التزام تجاه رعاياها في المنطقة، وهذا كان واضحا عندما تعرضت السعودية إلى صواريخ الحوثيين كما صرحوا بذلك، فأدرك السعوديون ضرورة التعامل مع الخطر الإيراني القادم وجها لوجه، دون مساعدات خارجية إذا ما تحقق السيناريو الأسوأ، ففي هذه الحالة سيكون التعامل على عدة أشكال:

التعامل العسكري، وقد جرب هذا التعامل عندما دعمت السعودية العراق في حربه مع إيران لثمان سنوات، لم تحد من السيطرة الإيرانية، أضف إلى تجربة الحرب بالوكالة، والحرب الاقتصادية التي لم تسجل لها نتائج واضحة، وعلى هذا الأساس لم يتبقَ إلا المفاوضات المباشرة مع مصدر التهديد الرئيس، وهي إيران، خصوصا أن هناك توجه داخل السعودية ودول المنطقة يرى أن الوقت الحالي هو المناسب للتفاوض السلمي مع إيران، لأن الدول قد أرهقت من جراء العداوة وفقدان الأمن والتهديدات المستمرة، وربما ستشمل المفاوضات كل الملفات العالقة في المنطقة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مما يطول فيه الحديث، أما في الوقت الحاضر فالمفاوضات على وقف الأعمال العدائية والتهديدات تجاه الآخر، مما سيسمح لتطور العلاقات بين الطرفين شيئا فشيئا.

هناك عاملان رئيسان في نجاح أو فشل هذه المفاوضات المؤمل عقدها وتطور العلاقات بين الطرفين: عوامل ذاتية أو عوامل داخلية، يعني قدرة الدول المختلفة، وبالخصوص السعودية وإيران على إدارة المفاوضات بنجاح، كتخطي كثير من الملفات الخلافية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ثم الانتقال إلى مجالات التعاون على المستوى التجاري، إذا ما تم تجاوز كل هذه الملفات العالقة منذ سنوات من العداء فإنها ستكون في الخطوات الصادقة والصحيحة.

والعامل الآخر: هو موقف الدول الإقليمية والكبرى مما يدور من أحداث في المنطقة، فعلى الرغم من أنه أمر داخلي بين بلدين، لكن يقينا أن الدول الإقليمية سيكون لها قول فصل فيما يدور من اتفاقيات سواء نجاح أو فشل المفاوضات، فماذا سيكون موقف إسرائيل مثلا (وهي المستفيد الأكبر من الحالة العدائية بين الدول العربية وإيران) من هذه الاتفاقيات، هل ستذرف دموع الفرح مثلا من أجل تعزيز الصداقة بين البلدين المتخاصمين؟ وقد استطاعت إسرائيل من خلال العدائية العربية - الإيرانية التعامل بأكثر من قوة مع الدول العربية وتطبيع العلاقات مع بعضها.

أما الصين فهي أيضا ربما سيكون لها موقف تجاه هذا الانفتاح، لأن رفع العقوبات عن إيران سيكون لها سطوة كبيرة على المنطقة، وربما ستضطر إلى تغيير بعض بنود الاتفاقية المبرمة تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية لمدة 25 عاما، وكذلك روسيا لم تشعر بالطمأنينة بسبب هذا الانفتاح، فكلما قلت حدة الضغوط على إيران كثر ضخ النفط والغاز بشكل أوسع؛ مما يعني انخفاض أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية، الأمر الذي يؤثر على المصالح الروسية، وهي مسألة أمن قومي للروس.

فعلى الرغم من أهمية الانفتاح السعودي - الإيراني إلا أن هذا المسار يعتبر ملغوما، وتقف أمامه تحديات كبيرة، لأن دولا كروسيا والصين وإسرائيل ودولا عربية ربما ستعمل على نسف هذا المسار أو محاولة وضع العراقيل أمامه من أجل أن تعود المنطقة إلى سابق عهدها، وتبقى إيران تحت الضغوط الأمريكية والتورط أكثر بمنطقة الشرق الأوسط.

"شبكة النبأ"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى