اليمن بين مشروعين !

> عبدالرحمن الرياني

> مشكلة اليمن كانت دائمًا هي تزييف الوعي، وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها، حركة الإخوان المسلمين أطلقنا عليها التجمع اليمني للإصلاح، والحزب اليساري الماركسي أطلقنا عليه صفة الحزب الاشتراكي اليمني، الحركات القومية في اليمن لم تتجاوز الجغرافيا المناطقية في حضورها السياسي وفي بنيويتها التنظيمية.

لو أن الإصلاح شكل مجلسا للإرشاد، واشتغل على هذا الأساس، وعلق صورتي سيد قطب وحسن البنا على واجهة مقراته لكان أكثر شفافيةً ووضوحا، ولو أن الحزب الاشتراكي اليمني استمر يشتغل على الماركسية اللينينية، بعيدا عن محاولات التحول إلى يسار الوسط أو ليبرالية جديدة لا ملامح لها، لاستمر في إثراء الحركة السياسية والثقافية في اليمن. وهكذا الحال بالنسبة للناصرية، ولحزب البعث الذي لم يتجاوز شرجب أو بعض مناطق ذمار وإب، حتى أن أحداث أغسطس الطائفية، في عام 1968م بين الزيود والشوافع، ألبسوها ثوبًا أيديولوجيًا أكبر منها. الزيود حزب البعث والشوافع هم القوميون العرب. ولا هؤلاء قوميون ولا أولئك بعثيون.

الحرب الأخيرة، التي تدور رُحاها منذ سبع سنوات على أرض اليمن، في حقيقتها حربًا بالوكالة بين ايران والمملكة السعودية، وليست حربًا بين الشرعية والحوثيين. هي حرب لمشروع إيراني وُكلاؤه الحوثيون في اليمن، وبين المشروع السعودي الذي تمثله الشرعية المغدورة والمُستلبة، علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية والفعلية، كون المُسمى يدل على المعنى وليس بتمرير المسميات التي استحدثها المشروع السعودي والإيراني، المقدمة الفعلية للقوى الوطنية الواقعة خارج إطار المشروعين السعودي والإيراني هي التفكير بعمق في الأزمة التاريخية، التي يشهدها اليمن، الذي تحوّل بفعل الصراع السعودي والإيراني وأدواتهما إلى مجرد ميدان رماية لا أكثر. وليس من قبيل السفسطة أو الديماغوجية المفُرطة أن نؤكد أن كِلا المشروعين وأدواتهما في الداخل اليمني هما في حالة توافق حقيقي على المدى البعيد الاستراتيجي، خاصة في تلك الجزئية المتعلقة بالحيلولة دون قيام الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة ذات الصبغة الوطنية، التي تضمن التعددية السياسية والثقافية بكافة أبعادها وموروثها الحضاري، والاستفادة من التنوع الثقافي والاجتماعي، الذي تشكل عبر مراحل التاريخ المُختلفة، للوصول إلى دولة الحكم الرشيد، الدولة التي يمكن لها أن تصنع نموذجًا ديمقراطيًا وتنمويًا، وتفجر الطاقات، وتوظف الإمكانات والمقدرات، والموقع الجغرافي الاستراتيجي الفريد، أولى نقاط التوافق بين المشروعين، هي عدم استخراج الثروات اليمنية في العقود الزمنية الخمسة القادمة لكونها ستؤثر وتضرب اقتصادات المنطقة بفعل الفائض الضخم الذي سوف يتم ضخه في الأسواق العالمية، الأمر الذي من شأنه تحويل تلك الاقتصادات إلى اقتصادات عاجزة وهذه النظرة التوافقية بين المشروعين قاصرة وغير صحيحة وفق الأحكام والمطلقات المسبقة قاصرة علميًا وقاصرة اقتصاديًا، إذا ما عرفنا عدد السكان المتزايد في اليمن، وحاجات اليمن للبناء والتنمية، التي سوف تتجاوز المئة مليار دولار، أيضًا هناك تواطؤ وتوافق آخر بين المشروعين، وهو توافق استراتيجي لمنع إقامة الدولة على شكل دولة المستقبل. الإيرانيون يريدون دولة على غرار النموذج العراقي الفاشل، والسعوديون لا يمكن لهم أن يقبلوا بوجود نموذج ديمقراطي لدولة عصرية على حدودهم، تنشط فيها الأحزاب وقوى الحداثة، وبين هذا التوافق والتواطؤ الصامت بين المشروعين يستمر اليمنيون في قتل بعضهم البعض.

الحل يكمن في التيار الوطني الثالث تيار الكتلة التاريخية، هذا التيار هو وحده القادر على مخاطبة العالم؛ كونه يمثل الغالبية العظمى من اليمنيين. وعندما أقول الأغلبية العُظمى أعني، على المستوى الوطني والشعبي، جماهير سبتمبر وأكتوبر والثاني والعشرين من مايو والعمال والفلاحين وقوى الحداثة والعصرنة والتيارات الحداثية الفكرية وجماعات الحقوق والحريات وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني ذات البعد الوطني وكافة القوى المؤمنة بالديمقراطية والدولة المدنية البرلمانية القوية.

مسألة بناء دولة في اليمن ليس بالأمر الصعب، كما يروج المحبطون. هي فقط تحتاج إلى إرادة وطنية تنتفض على الذات المهزومة، وتخلق تيارها الوطني الواسع المنظّم، الذي يشتغل في ظل الفراغ السياسي الراهن، ويبدأ بالتفاوض مع اللاعب الرئيس في المنطقة، وأعني بها القوى العظُمى التي يهمها أولا الجغرافيا قبل الديموغرافيا والنفط والمقدرات، وهي هنا الولايات المتحدة وروسيا والصين، تفاوض حقيقي يضع النقاط على الحروف، ويرسم ملامح اليمن في المستقبل. ما الذي تريده دولة مثل بريطانيا من اليمن؟ وما الذي يريده الروس؟ وما الذي يريده الأمريكان؟ وما الذي يريده بعد ذلك السعوديون والإيرانيون والإماراتيون والأتراك والقطريون وحتى العُمانيون؟ وأمامنا عدة نماذج في العالم، منها النموذج الرواندي الذي قاده الرئيس الأفريقي "بول كيجامي" الذي أخرج رواندا من دولة الحروب والإبادة الجماعية، وهي الدولة المغلقة بلا موانئ وبحار ومقدرات وثروات نفطية ومعادن، إلى عملاق اقتصادي تحتل الاقتصاد رقم 22 عالميًا، هنا على التيار الوطني أن يبدأ بتقديم الرؤية الوطنية، التي تتطلب أن نتجاوز الأدوات في الداخل أو الأحجار اليمنية على رقعة الشطرنج، على حد وصف الكندي وليام جاي كار.

إن المراهنة على بقاء اليمن رهن لمصالحة تاريخية، قد تحدث أو لا تحدث بين قوى الصراع ووكلاء الإقليم، هو رِهان خاطئ وغير عقلاني، ويجانب كل قواعد المنطق والصواب؛ لأن هذه المصالحة، إن حدثت، ستكون حلا تلفيقيا شكلي زائفا وخادعا لليمنيين، وسينتج عنها ترحيل للأزمات لمراحل قادمة. نعم علينا أن نتجاوز الحوثيين والشرعية من هنا نبدأ.

"أصداء"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى