المساعي الدولية لإنهاء الأزمة اليمنية.. أين المشكلة؟

> يحيى كشيمة

> منذ سنة 2011، بذلت الأمم المتحدة جهودا كبيرة في اليمن، بداية من رعاية الانتقال السلمي للسلطة بعد ثورة الشباب الشعبية في اليمن وصولا إلى جهود وقف الحرب بعد الانقلاب الحوثي على السلطة، والتدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في 26 مارس سنة 2015، الذي كشف عن أزمة سياسية واقتصادية وعسكرية كانت، ولا تزال، معقدة للغاية.

على الرغم من أن الأمم المتحدة كافحت من أجل استعادة السلام والاستقرار، وقدمت أعمالا إنسانية للسيطرة على كارثة الحرب والتخلص من الآثار السلبية للحرب على المجتمع، إلا أنها فشلت حتى اليوم في إنهاء الحرب في اليمن.

مع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، حدث عدد من التغييرات في السياسة الأمريكية تجاه اليمن والمنطقة، ومزيد من الجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية. بينما عملت إدارة ترامب على إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب قبل أيام من مغادرتها السلطة، عملت إدارة بايدن على إلغاء القرار في أيامها الأولى في البيت الأبيض. وقال جو بايدن إن الحرب "يجب أن تنتهي"، فأعلن عن ثلاثة قرارات تتعلق بسياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب في اليمن، وهي "إنهاء الدعم الأمريكي لجميع العمليات العسكرية الهجومية وصفقات الأسلحة ذات الصلة ودعم جهود الأمم المتحدة لحل النزاع وتعيين تيم ليندركينغ مبعوثا خاصا لليمن".

جاءت كل هذه التحركات نتيجة الضغط الهائل الذي مارسته المنظمات الحقوقية والإنسانية لوقف قتل المدنيين واشتداد الأوضاع الإنسانية في اليمن المرتبطة بالحرب، فضلا عن تحول حرب اليمن والعلاقات السعودية الأمريكية إلى ساحة استقطاب سياسي في واشنطن، سواء على المستوى المؤسسي بين الكونغرس والرئاسة وبين الأحزاب.

لذلك، ردّ الحوثيّون بشكل مختلف على تصعيد هجماتهم وتوسيع عمليات نفوذهم تجاه محافظة مأرب الغنية بالنفط في محاولة للسيطرة على مناطق مهمة، ومد نفوذهم إلى أكبر عدد ممكن من الأماكن لفرض وجودهم و تحسين موقفهم التفاوضي في أي مفاوضات لإنهاء الصراع. وجاء إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية في سياق مقاربة أمريكية جديدة للملف اليمني، التي قالت إدارة بايدن إنها تتضمن التحرك وفق مسار تقديم الإغاثة الإنسانية، والعمل على وقف الصراع من خلال تسوية تفاوضية، ودعم جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة.

شهدت الرياض وعدد من عواصم المنطقة في ذلك الوقت حركة دبلوماسية أمريكية نشطة، حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، ليندركينغ، والسفير الأمريكي في اليمن كريستوفر هينزل، بمسؤولين سعوديين ويمنيين وعمانيين. كما التقيا بالمبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيثس، وناقشوا ما قيل عن لقائه برئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي، محمد عبد السلام، في مسقط.

من جهتها، أعلنت المملكة العربية السعودية في 22 مارس سنة 2021 عن مبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل، يتضمن وقف إطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة وافتتاح مطار صنعاء الدولي وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في البلاد. وعلى الرغم من الترحيب بالمبادرة إقليميا ودوليا وموافقة الحكومة اليمنية، إلا أن الحوثيّين رفضوها، حيث غرّد كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام على تويتر، واصفا إياها "بالمبادرة الموجهة للاستهلاك الإعلامي، ليست جادة ولا جديدة".

شهدت مسقط خلال الأشهر القليلة الماضية تحركات مكثفة عمل خلالها مبعوثا الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى اليمن على نقل مقترحات بين مسقط والرياض بشكل منتظم، في محاولة لتقريب وجهات النظر حول المبادرة السعودية، التي يراها البعض امتدادا لمبادرات الولايات المتحدة والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية.

على الرغم من كل هذا الزخم الدبلوماسي، إلا أنه لا تقدم في المفاوضات في مسقط إلى حد الآن. وفي محاولة أخيرة لمبعوث الأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يترك منصبه كمبعوث أممي إلى اليمن، بعد تعيينه مساعدا لوزير الخارجية للأمم المتحدة، زار خلال هذا الأسبوع العاصمة اليمنية للقاء قادة الحوثيين، بعد إعاقة جهوده مع وفد الحوثيين في مسقط.

وخلال زيارته لصنعاء، دعا مبعوث الأمم المتحدة أطراف النزاع إلى الاستفادة من الزخم الدبلوماسي الإقليمي والدولي لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار. وقبل مغادرته العاصمة اليمنية، قال المبعوث: "لقد اقترحنا عدة طرق لسد الفجوة بين المتنازعين، وهناك قدر لم يسبق له مثيل من الإجماع الدبلوماسي على دعم هذه المقترحات".

في المقابل، أصرّ الحوثيون على عدم ربط الملف الإنساني بالملف السياسي أو العسكري. واعتبر القيادي الحوثي أن "محاولة ربط الواجب الإنساني كحق مشروع ومستقل بملفات أخرى ذات طابع عسكري أو سياسي يعتبر مصادرة لحق الشعب اليمني في أبسط حقوقه الإنسانية، ومعادلة لا يمكن قبولها على الإطلاق"، الذي يشير فيه إلى رفض مبادرة السعودية والأمم المتحدة التي تقترح رفع الحظر عن مطار صنعاء ودخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة كجزء من مجموعة الحلول التي تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار في جميع المحافظات.

على الرغم من جهود الولايات المتحدة بالتعاون مع القوى الأوروبية والمبعوث الأممي في العمل على الملف اليمني قرابة ثلاثة أشهر حتى الآن، إلا أنه لا تغيير في دعوة الأطراف إلى طاولة الحوار والاتفاق على حل من شأنه أن يضع حد لإراقة الدماء. ولم تُؤت كل هذه التحركات أكلها بسبب العديد من العوامل المحلية والدولية.

يعتقد الحوثيون أنهم ما زالوا يمتلكون القوة، ويمكنهم تحقيق مزيد من المكاسب العسكرية على أرض الواقع، في ظلّ ازدياد قوتهم يومًا بعد يوم، وتحوّلهم من موقف الدفاع إلى الهجوم، ضد الحكومة اليمنية داخل اليمن، مثل الحرب الدائرة في مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال. فضلا على ذلك، ما زالوا قادرين على تهديد المملكة العربية السعودية، سواء بالهجمات الصاروخية أو الطائرات دون طيار أو بالاشتباك المباشر والسيطرة على المواقع داخل حدود المملكة، مثلما حدث مؤخرًا.

لذلك، يعتقد الحوثيون أن التنازلات يجب أن تقدمها الحكومة والمملكة، ولا ينبغي لهم تقديم أيّة تنازلات. من ناحية أخرى، ترى الحكومة اليمنية والسعودية أن الجانب الإنساني مرتبط بالجانب العسكري، وأن رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة دون الاتفاق على صيغة لوقف إطلاق النار سيكون مكسبا إضافيا للحوثيين لتعزيز قوتهم وقدراتهم.

على الصعيد الدولي، وعلى الرغم من تعقيد المشهد الداخلي، إلا أن المجتمع الدولي يتحمّل المسؤولية التي لم تكن صريحة وواضحة في تحركاته بين أطراف النزاع، ولم تحدد الطرف الذي يعرقل أيّة تسوية سياسية. ويعتقد آخرون أنه لا إرادة دولية حقيقية، وتحديدا من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، الذي يتمتع بكل الصلاحيات والعقوبات والتدابير الحاسمة. في المقابل، جعل تشابك وتضارب مصالحهم قضايا وملفات الشرق الأوسط موضوع نزاع، بالإضافة إلى أن أيّ قرارات قوية وحاسمة يطرحها البعض يعارضها البعض الآخر. ووقع كثيرون على ملفات أخرى تخص قضية اليمن في المنطقة مثل اتفاقية فيينا الحالية مع إيران.

على الرغم من الجهود الدولية والزخم الدبلوماسي غير المسبوق الذي شهدناه مؤخرًا، لا سيما مع وصول بايدن إلى السلطة وتعيينه لمبعوث خاص لليمن، إلا أنها لم تستطع وقف إراقة الدماء وجمع الأطراف اليمنية المتصارعة على طاولة المفاوضات إلى حد الآن. لا يمكن أن تلقى الجهود الدولية انفراجا أو أي تقدم كبير لحل الأزمة اليمنية، ولن تكون قادرة على تحقيق أي شيء إلا إذا أظهرت سعيها للتعامل مع الأزمة، وردع القوى التي تعرقل التسوية السياسية بكل مصداقية، أو سيكون هناك تغيير فعلي على أرض الواقع يُلزم جميع الأطراف بالجلوس على طاولة المفاوضات.

"مودرن ديبلوماسي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى