مسجد "جوهر".. عبق التاريخ ومرارة الحاضر

> تقرير/ جمال شنيتر:

>
  • ​إهمال الجهات المختصة يدفع أحد النافذين إلى ادعاء شراء المسجد وساحته من "الإنجليز" والمطالبة بإزالته
تزدهر مدينة عدن بوجود عدد من المعالم التاريخية التي تعود لفترات زمنية مختلفة، ومن ضمنها عدد من المعالم الإسلامية.
ويعد مسجد جوهر من أهم تلك المعالم، وقد ارتبط اسمه باسم الشيخ أبو البهاء جوهر بن عبدالله العدني، ويقع بالتحديد في حافة القاضي بمدينة كريتر قلب العاصمة الموقتة عدن.

 وعلى الرغم من عمره الطويل والمشكلات التي يواجهها، يأبى أهل المسجد إلا مواصلة رسالته الوسطية، وخدماته الاجتماعية والاغاثية، لا سيما في وقت الازمات والحروب التي تعرضت لها عدن، وربما هي التي دفعت أحد النافذين إلى محاولة السطو على المعلمة التاريخية، من خلال ادعاء ملكيته من جانب أجداده على الرغم من مرور نحو 800 عام على إقامته وبنائه.

بناء المسجد
يقول إمام المسجد الشيخ معاذ هائل الشميري إن المسجد وجد قبل أن يستقر الشيخ جوهر في عدن، ثم نسب إليه نظراً لإقامته الدائمة فيه، وذلك في زمن حكم الملك المسعود يوسف محمد بن أبي بكر بن أيوب آخر ملوك الدولة الأيوبية في عدن.

ويضيف مفصلاً، "لا يوجد بالضبط تاريخ محدد لبناء المسجد، ولكن الأكيد أنه بني في عهد الدولة الايوبية التي حكمت أجزاء من أرض اليمن في الفترة من (569- 626هـ) ( 1173-1228م)، كما أن الشيخ جوهر توفي سنة 626هـ  الموافق 1228، وقُبر في المسجد نفسه الذي سمي باسمه، وهذا يعني أن عمر المسجد يزيد على 800 سنة، وتم ترميمه في 1957، ثم أعيد تجديده عام 1992".

ويعد من أقدم مواطن الاستيطان والنشاط السكاني في المدينة، إضافة الى إحاطته بقبور تعود لشخصيات مهمة، مثل قضاة وعلماء ومشايخ في عدن خلال القرون الماضية، منهم علماء آل شكيل وآل بامخرمه، وذلك دليل على دور عدن في الفكر الإسلامي والتعليم الديني منذ قرون عدة.     
للمسجد مرافق ارتبطت به منذ بنائه، وأولى هذه المرافق البئر شُيّدت مع تأسيسه، وتقوم حالياً بدورها في تزويد عدد من الأحياء السكنية في عدن بالماء على مدار السنة، منها أحياء القاضي وجبل وشعب العيدروس والبوميس والشغيلة، فضلاً عن الدور الكبير في تغطية حاجات الناس للماء أثناء الأحداث والحروب التي مرت بها مدينة عدن.

الدور التعليمي   
اشتهر مسجد جوهر منذ القدم بحلقات العلم التي تقام بفعل زيارة عدد من العلماء للمسجد، واستمر ذلك حتى في العقود المتأخرة، وكان آخرها حلقة العلم التي يديرها الشيخ هائل الشميري التي استمرت حتى سنة 1983، ثم عاود النشاط العلمي للحلقات سنة 1990 على يد الشيخ معاذ غازي الشميري، حفيد هائل غالب وهو إمام وخطيب المسجد إلى يومنا هذا.

وينأى القائمون بالمسجد عن الصراعات السياسية والحزبية، باعتبارها "موقع جميع المسلمين من دون استثناء، ولعل هذا أحد الأسباب التي أدت إلى عدم تعرضه لأي تعسف وإجراء من أي فصيل سياسي خلال السنوات الماضية"

معوقات ومشكلات
يعدد إمام المسجد عدداً من المعوقات والمشكلات التي يعانيها المسجد، وأهمها "الإهمال من الجهات المختصة في الحكومة والسلطة المحلية  تجاهه، لا سيما عدم ترميم  السقف المتهالك الذي أتت عليه حشرة الأرضة من كل جانب ويخشى سقوطه، والوضع المزري للمقبرة التاريخية على الرغم من حاجتها إلى تجديد وبناء سورها، واستحداث الأبواب لصيانتها من العبث، لأن بقاءها على هذ الحال جعلها عرضة لرمي مخلفات البناء والقمامة".
وكشف إمام المسجد عن مشكلة جديدة، قال إنها ظهرت أخيراً، وهي "ادعاء شخص ملكية المسجد والمقبرة زوراً وبهتاناً، وأن أجداده اشتروها من الحاكم البريطاني، مستغلين الفوضى وحال الفساد السائدة، وحمى الاستحواذ على الأراضي التي شهدتها عدن منذ فترة".

محاولة السطو على أرض المسجد
مبادرة "هويتي" من أبرز المنظمات المدنية التي تحملت واجب الدفاع عن المعالم التاريخية في مدينة عدن وحمايتها والحفاظ عليها.
 وتقول رئيسها جاكلين البطاني إن المسجد أحد المعالم القديمة في عدن التي لم تستطع السلطات في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن تهدمه وتعيد بناءه على طراز معماري لا يتماشى مع هوية عدن المعمارية.

وأكدت أن "مبادرة هويتي أولت اهتماماً بمسجد الشيخ جوهر منذ العام الماضي، باعتباره أحد معالم الحضارة الدينية في عدن، وفي مقبرته دفن أبرز فقهاء عدن، وكان ضمن المساجد القديمة التي قمنا برصدها وتوثيقها، ودعينا حينها إلى ضرورة الاهتمام به وترميمه بما يحفظ هويته وطابعه المعماري".

 وتشرح البطاني جهود مبادرة "هويتي" للاهتمام بمسجد جوهر، وتضيف، "تلقينا دعوة قبل أكثر من شهر من جانب القائمين على المسجد لمساندتهم والوقوف معهم ضد محاولات السطو على مساحة المسجد وبيعها من خلال ادعاء ملكيته، فنزلنا للمسجد وجلسنا مع إمامه وأطلعنا على ملف القضية، ووجدنا أن ادعاء ملكية يعود عمرها لـ 800 سنة أمر غير منطقي، خصوصاً أن المسجد والمقبرة قديمان جداً، ولا توجد وثائق تثبت ذلك، ولكن للأسف هناك من يستغل عدم تطبيق القوانين وغياب مبدأ المحاسبة، فيحاول ركوب الموجة وبيع مساحة المسجد لغرض الاستفادة المادية".

 وذكرت أن جمعيتها المدنية تابعت الموضوع، وكان "أول لقاء مع اللواء أحمد سعيد بن بريك رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، وتفاعل معنا ونسق لنا لقاء مع محافظ عدن أحمد حامد لملس، وذهبنا لمقابلته وعرضنا عليه قضايا الانتهاكات التي تتعرض لها المعالم التاريخية في عدن، وأبرزها قضية مسجد جوهر، وطالبنا بضرورة تفعيل دور السلطات المحلية والمختصة المعنية بحماية الآثار والتراث، ومنها مكتب الآثار في عدن ومكتب الأوقاف، وقدمنا مقترحاً بضرورة عقد لقاء مشترك يجمع كل هذه الجهات مع المجتمع المدني، للخروج بحلول ومعالجات في ما يخص مسجد جوهر وبأسرع وقت ممكن".

و تخلص رئيس مبادرة "هويتي" في حديثها إلى مناشدة الجهات المعنية في الحكومة والسلطة المحلية في عدن، والمنظمات المحلية والدولية المهتمة بالتراث، للقيام بدورها لحماية وترميم هذا المعلم التاريخي وبقية معالم عدن الأخرى.

إندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى