ما الأسس التي سيبنى عليها الاتفاق مع الحوثيين؟ "قراءة أولية للمشهد "

> د. صالح الوالي

>
  • المجتمع الدولي يقايض بإعادة الجنوب إلى باب اليمن والانتقالي يفاوض على الوهم بالرياض
وصل إلى صنعاء، السبت الموافق 5/6/2021 وفد عماني رفيع المستوى للقاء عبد الملك الحوثي لأخذ موافقته النهائية على الاتفاق الدولي.

ويبدو أن الجهود الدولية أثمرت عن اتفاق دولي بوقف الحرب في اليمن، فقد شهدت العاصمة العمانية مسقط محادثات ولقاءات ماراثونية بين محمد عبد السلام، رئيس الوفد المفاوض لأنصار الله، ومارتن جريفيثس المبعوث الدولي لليمن، والتقى عبد السلام بالدكتور محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وليندر كينغ، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، وسفراء الدول الكبرى والفاعلة وغيرهم.

وقد أكدت صحيفة عمان الحكومية عن " توافق إقليمي ودولي لإنهاء حرب اليمن، وأن انفراجة قريبة تلوح في وقف الحرب في اليمن، وأن ثمة إجماعا دوليا على وجوب وقف الحرب في اليمن، وأن ثمة تأكيدات على قرب موعد التوافق على إيقاف الحرب".
وأشار عبد السلام إلى أن الوفد العماني حمل في جعبته ملفات جوهرية وأساسية، مما يعني أن ما يجري الاتفاق عليه سرا، ليس ما يعلن، فوقف إطلاق النار وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة والعودة للمفاوضات السياسية ما هي إلا تحصيل حاصل للاتفاق.

ومعلوم أن السياسة العمانية تتكتم على سير المحادثات، بقصد إتمام الصفقة النهائية بين أنصار الله والمجتمع الدولي على غرار محادثات الملف النووي الإيراني، التي جرت في مسقط، والتي دامت سنوات.
ونظرا لطبيعة العلاقات الدولية وتشابكها، تتم المقايضات الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب في اليمن مقابل إعادة الجنوب إلى باب اليمن للتعويض عن الحرب؛ لأنه يمتلك ثروات هائلة، وما قامت الحرب أساسا إلا على تفتيت الجنوب ونهب ثرواته بين الدول.

بالطبع وتكملة للاتفاق، ستتحمل دول التحالف ما تبقى من التعويضات التي يطالب بها أنصار الله، وهذا ما عرضه الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع قناة العربية بوقف إطلاق النار مقابل كل الذي يريده الحوثي.
وفي ضوء ذلك فان قضية الجنوب غائبة تماما في الصفقات الدولية، ففي 8 أبريل 2020م قدم أنصار الله "وثيقة الحل الشامل لأنهاء الحرب على الجمهورية اليمنية" وحددت الوثيقة طرفين هما: (قيادة دول التحالف، وقادة الجمهورية اليمنية بصنعاء)، ومن ينتسب إليهما؟ وأبرز ما جاء فيها: "ضمان وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه".

وفي 9 نوفمبر2020م سلمت الأمم المتحدة أطراف النزاع "مسودة إعلان مشترك حول وقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية الشرعية وأنصار الله" وأبرز ما جاء فيها "احترام سيادة اليمن واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه".
و في 22 مارس 2021، أعلنت المملكة العربية السعودية مبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.

وبتاريخ 28 أبريل 2021م، وفي مقابلة مع قناة العربية، جدد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي للحوثي "العرض من السعودية على وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي، وكل الذي يريدونه مقابل وقف إطلاق النار" وفي جميع الحالات المجلس الانتقالي خارج الصفقات، أي أن قضية الجنوب خارج اهتماماتهم.
وبتاريخ 7/6/2021م، أعلن د أحمد عوض بن مبارك، وزير الخارجية، موافقة الشرعية على المبادرة الأممية الجديدة، أي أن الشرعية قد أبلغت بالاتفاق، وليس أمامها إلا الموافقة لتأييده، بالرغم من أن الاتفاق لم يعلن، مما يعني أن المجلس الانتقالي سيعلم بعد إعلان الاتفاق؟

والسؤال الذي يبرز هو: ما الأسس التي بني عليها الاتفاق الدولي بين المجتمع الدولي وأنصار الله؟

وبتقديري أن الاتفاق الدولي بني على إعادة الجنوب إلى باب اليمن، بدليل أن الجنوب الغائب المخفي الضحية المغدور به بهذا الاتفاق، وكأن ليس لديه قضية منذ حرب العام 1994م والاجتياح العسكري للجنوب، ولا حرب 2015م المستمر، والدليل الآخر لم تشر أية مبادرة إقليمية أو دولية للجنوب، وبالتالي لم ولن تلتفت دول التحالف العربي للجنوب، التي هبت لنجدة اليمن من الانقلابين كما يزعمون.

وتمشيا مع ذلك، سيصدر مجلس الأمن قرارا تحت الفصل السابع، بالاتفاق الدولي بتأكيده من جديد على "التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية" وهذا ما يصعب مطالبة الجنوبيين باستعادة دولتهم.
وفي جميع الأحوال ستلتزم الدول بتنفيذ قرار مجلس الأمن تحت حجة امتثالها لقرارات الشرعية الدولية، وبالنتيجة لن تساعد دول التحالف شعب الجنوب، وخير مثال محاصرة شعب العراق بقرارات مجلس الأمن الجائرة لـ (13) سنة.

ونظرا للحالة اليمنية الراهنة، يعتبر ملف الجنوب غائبا تماما في طاولات البورصة الدولية، لكنه يعد أحد أوراق المقايضة الدولية لإيران لأقناع حليفها أنصار الله بالقبول بالمقايضة، وسيتم ربط حل ملف الجنوب بوحدة اليمن، كما ربط الملف النووي الإيراني بالاتفاق (5 +1) بالاتفاق الدولي.
وبتقديري، إن ما يعقد الاتفاق الدولي هو مطالبة أنصار الله الأمم المتحدة الاعتراف بالعدوان على اليمن.

وبالرغم من صعوبة تحقيق هذا الأمر بأن يدين مجلس الأمن نفسه لاتخاذه القرار 2216 (2015م)
لكن الأجندات الدولية كثيرة (سوق بيع وشراء، مقايضة) على من هو على قارعة الطريق، ولم يحسم أمره لنفسه، بانتظار المساعدة كحالة قيادة المجلس الانتقالي الممثل لشعب الجنوب.

ويجب علينا أن لا ننسى أيضا ما يردده أنصار الله بأنهم سيصلون إلى الرياض، وبالفعل، وصلت صواريخهم وطائراتهم إلى الرياض وبعض مدن المملكة الحساسة، ولا سيما مركز عصب الصناعة النفطي، والمسالة أكثر مما نتصور؟
وفي تقديري، إن أنصار الله ربما لن يقبلوا بالسهولة بالمقايضة الدولية، لأن الحرب بقناعاتهم ليس يمنية وإنما حرب إقليمية دولية على أرض اليمن، وإلا لما تدخل مجلس الأمن بإصداره القرار 2216 (2015م) المخالف للقانون الدولي انظر المادة(2) الفقرة (7) من ميثاق الأمم المتحدة.

وفوق ذلك لن ينسى أنصار الله مواقف الدول العربية والإسلامية التي شاركت في عدوانها على اليمن، ولم تقف معه إلا جمهورية إيران الإسلامية، كما وقفت مع سوريا ولبنان وغزة، ومدتهم بالمال والسلاح، باعتراف الأخير إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس التي أذلت إسرائيل أمام العالم.
وسيرا على ذلك إنه بعد سبعة سنوات من الحرب المستمر أصبح أنصار الله في وضع المنتصر الذي يفرض شروطه، ليس على دول التحالف، بل على المجتمع الدولي.

ويعتبر أنصار الله أن الانقلابات تحصل في أغلب العالم وخاصة الثالث الأمر الذي لا يجيز القانون الدولي التدخل في الشؤون الداخلية للدول المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة.
ومن هذا المنظور أيضا، يعتبر أنصار الله حرب اليمن إقليمية دولية، ساحتها أرض اليمن، وأدواتها وضحاياها اليمنيون، أي إن اليمنين ليسوا طرفا في الحرب، وإنما أدوات الصراع على أرض اليمن، أهلكت الأرض والزرع والإنسان، أما أطرافها الحقيقيون فدول التحالف العربي والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى.

ويؤكد ذلك جمال بن عمر المبعوث الدولي السابق لليمن، أنه (... للأسف، وفر قرار مجلس الأمن 2216 غطاء للفظاعات التي تلت بعد ذلك. قرار صاغه السعوديون، وحملته بسرعة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس يفترض أنه معني بضمان الأمن والسلم الدوليين. لقد كان حليفهم الخليجي في حاجة إلى ترضية بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران في غفلة منه. لابد أنها بدت مقايضةً ديبلوماسية عادلة لهم. غير أن الطرف الغربي في المقايضة كان يعرف كذلك أن مطالبة الحوثيين، المسيطرين على الأرض والمتقدمين ميدانيا، بالاستسلام لحكومة تعيش في منفى فندقي أنيق في الرياض لم يكن أمرا واقعيا أو مقبولا. لكن ذلك لم يكن ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم لأنهم كانوا موقنين بأن الروس سيعرقلون القرار. (الأيام)

وفيما إذا تمت الصفقة/ الاتفاق، وهذا حلم ومطمع اليمنيين بتثبيت الوحدة، وهي فرصة تاريخية لا تعوض، وسيتم تثبيتها بقرار مجلس الأمن الذي سيشير إلى موافقة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا، وتوقيع المجلس الانتقالي اتفاق الرياض ومشاركته بحكومة المناصفة الشرعية بالربع الذي أصبح جزء منها وتنازله عن الإدارة الذاتية؟
وبالمحصلة على قيادة الانتقالي أن تفوق على الأقل في اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان، وتعيد حساباتها، والذي يقول إن المجتمع الدولي اعترف بالمجلس الانتقالي وبالقضية الجنوبية عليه أن يبرز لنا وثيقة الاعتراف الدولي أو ما شابهها إن وجد؟

ومن يدعي أن معه قضية جنوبية فليذهب إلى أقرب محكمة في عدن أو صنعاء ويقدم شكواه بعدالة قضيته؟

وللأسف الشديد الانتقالي اشغل نفسه بالوهم، واشغلوه في مفاوضات عبثية مع الحكومة الشرعية، التي تقيم في الرياض، وهي لا تملك من أمرها شيئا، قميص عثمان. وستدخل موسعة جينيس لحكومة المنفى منذ سبع سنوات، والغرض من ذلك تفتيت الجنوب لنهب ثرواته إرضاء للدول الراعية، وهذا لب الصراع الدولي على الجنوب لمن أراد أن يفهم؟

والمضحك المبكي أن الانتقالي عاد إلى الرياض مرة أخرى يطالب بعودة الحكومة الشرعية إلى عدن، وينتظرها حتى توافق.
والسؤال الذي يثور ما الأسس التي يتفاوض الانتقالي مع الشرعية، بعد أن اعترفت الشرعية بالمبادرة الأممية ثم رفضتها بعد ثلاثة أيام؟

وفي ضوء ما تقدم، إذا أراد الانتقالي، بالفعل كما يدعي بوثائقه وخطاباته، استعادة الدولة فيجب عليه:
أولا- إلغاء اتفاق الرياض، والانسحاب من حكومة المناصفة، وسحب فريقه التفاوضي من الرياض لأنها مفاوضات عبثية مع حكومة المنفى التي لا تملك من أمرها شيء منذ سبعة سنوات.

ثانيا- أن يقوم الانتقالي بالسيطرة على ما تبقى من أرض الجنوب من عدن إلى المهرة لفرض أمر واقع على الأرض، عندها ستفتح له مسقط ذراعيها والمجتمع الدولي سيأتيه تباعا إلى عدن، وخير مثال أنصار الله، اليوم المجتمع الدولي يخطب ودهم، بل ورضخ للأمر الواقع الذي فرضوه على الأرض، ومن كان ينعتهم بأقذع الألفاظ والأوصاف بالانقلابين، اليوم الشرعية وغيرها تستجدي أنصار الله بالرضاء عنهم.

ثالثا- أن يستند المفاوض الانتقالي إلى قواعد القانون الدولي بمطالبته باستعادة دولته الجنوبية، وليس بالخطابات وترديد الكلام الإنشائي، كما استند أنصار الله إلى القانون الدولي، مثال عندما ألقى شيخان الحبشي الأمين العام لحزب الرابطة خطابه في الأمم المتحدة في العام 1962م استند إلى ميثاق الأمم المتحدة والى سلسلة من قرارات الأمم المتحدة أبرزها القرار 1514 الصادر في 10 ديسمبر 1960م المتعلقة بتصفية الاستعمار، وكذلك فعل بقية رواد الجنوب من بعده بإبراز قضية الجنوب العربي مستندين للقانون الدولي المعاصر.

ومن حسن الطالع أن شعب الجنوب شعب عظيم حي وذو إرادة لا تلين، ومصمم على استعادة دولته، وهذا هو الأهم، لذا فالمجلس الانتقالي يحظى بحاضنة شعبية جنوبية عريضة؛ لأنه انبثق من رحم حراك شعب الجنوب المستمر منذ 1994م.
هذه قراءة أولية للمشهد اليمني ويحتاج إلى إعادة القراءة وتوسيعها.

والله من وراء القصد
عضو البرلمان الجنوبي
10/6/2021م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى