> "الأيام" عن/ دويتشه فيله:
في حديثه لـDW عربية، يوضح والد سمير – الذي فضل عدم كشف هويته – أن البداية كانت بموافقة الأسرة على التحاق ابنها بـ"المراكز الصيفية" في فترة العطلة السنوية الدراسية، لتعلم الدروس الدينية وغيرها من المقررات والأنشطة التي تجذب اهتمام الفتيان، وعند عودته لأسرته كان تأثير المفاهيم والدروس التي تلقاها واضحاً في سلوكه، وصولاً إلى إبداء رغبته في الالتحاق بـ"الجبهة"، لـ"الجهاد في سبيل الله" و"الدفاع عن الوطن".
وعلى الرغم من رفض والدة ووالد سمير في بداية الأمر تجنيده، إلا أنه مع مرور الوقت، تراجع قلق أسرته الفقيرة، إذ كان يعود إليهم كل عدة شهور ويقدم لهم الأموال التي تساعدهم في توفير بعض الاحتياجات المنزلية. هذه الحال لم تستمر كثيراً، إذ أنه في المرة الأخيرة، عاد إلى أسرته متوفياً، ومع جثمانه صورة في برواز كُتب عليها اسمه كـ"شهيد"، لتعلقها أسرته على جدران منزله.

حال سمير لا يختلف كثيراً في تفاصيله عما شهده أحد الأحياء القريبة من سكن أسرته في صنعاء، حيث شيع السكان ثلاثة قتلى من أبناء الحي تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً وهم عماد ويوسف ومحمد، إذ التحقوا بـ"الجبهات" منذ ما يزيد عن عام، وبعد أن كانوا يعودون في أوقات متقطعة إلى أسرهم، قضى الثلاثة لاحقاً، في موقع يُعتقد أنه تعرض لقصف مباشر، وعادوا في توابيت صغيرة ليتم تشييعهم في أجواء حزينة من قبل سكان الحي.
تجنيد الأطفال.. طرفا النزاع متورطان
تُعد ظاهرة تجنيد الأطفال، واحدة من أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات، وثقت خلالها تقارير حقوقية العديد من الحالات لدى مختلف الأطراف، لاسيما جماعة الحوثيين، والتي شكلت أكثر من 77 بالمائة من حالات تجنيد واستخدام الأطفال الموثقة في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن الأطفال ومناطق النزاع، في حين بلغت الحالات الموثقة للتجنيد في القوات الحكومية ما نسبته 16 بالمئة، وأقل من 5 بالمائة من قبل قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي.
آلاف الأطفال المحاربين في اليمن تم تجنيدهم منذ عام 2014! برأيك كيف يمكن القضاء على جريمة #تجنيد_الأطفال في اليمن؟ #وعي pic.twitter.com/xDrYYNnCm5
— مؤسسة وعي للتثقيف والتنمية (@waai_org) June 25, 2021
يضيف الحميدي أنه "وعلى الرغم من ذلك تبقى نسبة تجنيد القوات الحكومية اليمنية للأطفال في اليمن للانخراط في المعارك ضد الحوثين لا تقارن بما يفعله الحوثيون في السياق نفسه".
وأشار الحميدي إلى أن "أغلب حالات تجنيد الأطفال على أيدي القوات الحكومية اليمنية لا يذهب فيها الصغار إلى المعارك بشكل مباشر إلا عدد قليل للغاية، إذ يعمل أغلب الأطفال المجندون داخل المدن وفي جهات أمنية، وفي بعض الأحيان قد لا يخرج الأطفال من منازلهم وتقيد أسماؤهم في الكشوف ويتلقى ذويهم الأموال، خاصة إن كان لهؤلاء الأهالي أحد المعارف أو بعض الاتصالات القوية بأحد القائمين على هذا الأمر".
مصدر للدخل وإعالة الأسر
وأشارت المصادر لـ DW عربية أن من الحالات الأخرى قيام العسكري أو المجند بتجنيد شقيقه الأصغر منه، أو لكون جميع أفراد الأسرة مجندين، حتى ولو كان بينهم من هو تحت السن القانوني والمحدد في القانون بــ 18 عاماً، كما يتم التجنيد في حالات أخرى لنجل جندي قُتل، ليقوم الطفل بإعالة أسرته.. أو يتم تجنيد طفل أو شاب بسن تحت 18 عاماً، برغبة من أسرته عن طريق جنود أو ضباط آخرين من القرية التي ينحدرون منها.

وتؤكد المصادر لـ DW عربية أن هذه الحالات وإن كانت شائعة في أوساط القوات الحكومية إلا أنها غير ممنهجة أو منظمة بعكس ما يحدث في معكسر الحوثيين بحسب ما تظهر وثائق المراكز الصيفية.
المراكز الصيفية ونصف مليون طفل
وجاء إعلان التقرير الأممي، بالتزامن مع أبرز المواسم المرتبطة باتهامات تجنيد الأطفال، ممثلة في "المراكز الصيفية"، وهي الفعاليات التي أعلنت قيادات في جماعة أنصار الله، أنها تسعى لاستقطاب 400 ألف طفل، في مقابل تحذيرات أطلقتها الحكومة المعترف بها دولياً ومنظمات محلية، اعتبرت أن هذه المراكز عبارة عن "معسكرات تجنيد للأطفال".
وأضافت المنظمة أن "هؤلاء الأطفال وبناءً على ما تسرب من صور وفيديوهات لبعض المراكز الصيفية ونوعية التثقيف والأزياء والشعارات، فإنهم يتلقون تثقيفاً قتالياً تعبوياً"، مشيرة إلى أن التجنيد "هو كل نشاط فكري أو بدني أو حتى استغلال لطفل من أجل تحقيق أهداف عسكرية دون علمه بماهية الهدف".
The Houthis intensify their campaigns to recruit marginalized children in #Yemen, taking advantage of their need for food.
— عبده علي الحذيفي (@abduhothifi) June 23, 2021
“The marginalized are known as Yemeni citizens with black skin, who live miserable lives in shantytowns and tents, and suffer from racial discrimination” pic.twitter.com/uD6KZ6Cmzw
الأمر نفسه وثقته كل من منظمة "سام" للحقوق والحريات و "المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان في تقرير مشترك حمل عنوان "عسكرة الطفولة" وأشار إلى "استخدام جماعة الحوثي المدارس والمرافق التعليمية لاستقطاب الأطفال إلى التجنيد الإجباري بل وأحياناً من خلال الاختطاف، من خلال نظام تعليم يحرّض على العنف، بالإضافة إلى تلقين الطلاب العقيدة الأيديولوجية الخاصة بالجماعة من خلال محاضرات خاصة داخل المرافق التعليمية لتعبئتهم بالأفكار المتطرفة، وترغيبهم بالانضمام إلى القتال لدعم الأعمال العسكرية للجماعة" بحسب ما ورد في التقرير.
ووثقت DW عربية، مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية من داخل أحد المراكز الصيفية التي أُقيمت تحت شعار "علم وجهاد"، حيث يجري خلالها تدريس مناهج مخصصة، تمجد من شأن الجماعة وقادتها ومفاهيمها الدينية والسياسية.
وحصلت دويتشه فيله عربية على نسخة من تقرير تفصيلي أعده الباحث اليمني عبده علي الحذيفي المتخصص في توثيق انتهاكات تجنيد الحوثيين للأطفال والذي وثق فيه مقتل 1410 أطفال في 2020 بالأسماء وتاريخ ومكان الوفاة والعمر، وذلك اعتماداً على مصادر إعلام الحوثيين وتحديداً "قناة المسيرة".
من المدارس إلى "المتارس"
وفي حديثه لـDW عربية، وصف وزير حقوق الإنسان السابق في الحكومة المعترف بها دولياً، محمد عسكر "ظاهرة تجنيد الأطفال"، بأنها "تشويه للحاضر وتفخيخ للمستقبل"، قائلاً إن "هؤلاء المسرحين من المدارس إلى المتارس.. كيف سُيعاد إدماجهم في المجتمع وهم بعشرات الآلاف".
عسكر الذي أشار إلى أن كل أطراف الصراع لديها انتهاكات لا تتجاوز 20 بالمائة في مقابل الحوثيين، قال إن "خطورة المراكز الصيفية تكمن في كونها تقوم بعملية غسيل مخ لمئات آلاف الأطفال في كل صيف، ويتم فيها حشو أدمغة الأطفال بثقافة الكراهية وشعار الموت لأمريكا، وما إلى ذلك".
ويوضح الفيديو الذي نشره الباحث اليمني عبده علي الحذيفي تأثير تلك الدروس على سلوك الأطفال الذين يقوم الحوثيون بتجنيدهم:
على الصعيد نفسه، يرى المحامي والنشاط الحقوقي ياسر المليكي أنه بالنسبة للمراكز الصيفية فإن الحق في التعليم مكفول للجميع "شريطة أن يتضمن برامج تعتني بالأطفال نفسياً وفكرياً واجتماعياً بما يكفل تطوير شخصياتهم ومواهبهم وقدراتهم، وأن يحترم ثقافاتهم واختلافاتهم، وأن يدعو للعيش بسلام"، لكنه في المقابل يقول "المؤكد من الكثير من الشهادات والوقائع أن جماعة الحوثي تحرص على تعليم الأطفال ما يعزز ثقافة الكراهية والعنف، من خلال المناهج المحشوة بأفكار لا تتلائم مع تفكير الأطفال".