أصم لم يسمع سوى صوت شغفه.. "عبدالحكيم" مصور مخرج ولاعب كرة قدم

> حاوره/ هشام فهد قائد :

> لم تقهره الظروف الصحية ولم تمنعه من تحقيق أحلامه. كان أقوى من كل شيء، فهو حكيم استلهم الحكمة من صفة اسمه. هو المصور والمخرج ولاعب كرة القدم، ويجيد استخدام برامج التصميم (الفوتوشوب والبريمر والافترافكت). متعدد المواهب وصاحب الطموح اللامحدود، حكيم ليس مجرد شاب لديه إعاقة سمعية محبطاً في مجتمع لا يدعم فيه الأصحاء، فكيف بمن هم دون ذلك. إنه الشاب المكافح الذي خلق لنفسه فرصاً من العدم، فحينما تتحدث إليه لن تصدق أنك تتحدث إلى أصم، فهو شديد الذكاء والنباهة يستطيع أن يتواصل مع الكل يفهمهم ويفهمونه بطرقه الخاصة. وعلى عكس أقرانه الصم الذين انعزلوا عن العالم، فهو اجتماعي من الطراز الأول عنده شغف يسعى إلى تحقيقه، فهو شعلة أمل لا تنطفئ ومعين كفاح لا ينضب. إنه يرتقي في سلم النجاح بدون مساعدة أحد، ويحتاج إلى الأيدي التي تسهل عليه تحقيق أحلامه.

- عرفنا عن قرب بمن هو عبدالحكيم
عبدالحكيم محمود محمد سالم من مدينة عدن عمري 21 سنة، درست في مدرسة نشوان لتأهيل ورعاية الصم.
أدرس حالياً في كلية الحاسوب (المعلا)، وعضو في مؤسسة أنامل الصم للإنتاج الفني والإعلامي.

- حدثنا عن ميولك وهواياتك
هوايتي التصوير وكرة القدم، لكن التصوير اعتبره شغفي في الحياة، منذ الصغر كنت أشاهد برامج التصوير، وتمنيت أن أصبح مصوراً، لكن كان الأمر مستحيلاً بالنسبة لي بسبب أنني أصم، وعندما كبرت عرفت أن لا دخل إعاقتي بممارسة هوايتي وعلمي وهدفي في الحياة.

- كيف كانت بدايتك في مجال التصوير؟
أول مشاركة لي في التصوير كانت لحفل توزيع شهائد لجمعية رعاية وتأهيل الصم بعدن، وبعدها انطلقت في توثيق الكثير من الفعاليات الخاصة بالصم وغير الصم.

- هل توجد أعمال فنية أو درامية خاصة بك؟
نعم لدي الكثير من الأفلام القصيرة التوعوية، أول فيلم توعوي كان عن الصلاة والمحافظة عليها، ولدي الكثير من الأفلام التوعوية الهادفة بلغة الإشارة أنشرها على صفحتي في الفيس بوك واليوتيوب.

- هل الأفلام التي تنتجها خاصة بالصم؟
الأفلام التي أنتجها كلُّ المشاركين فيها والممثلون هم أصدقائي من الصم، لكنها تستهدف كل فئات المجتمع، أقوم بترجمة لغة الإشارة إلى اللغة العربية في كل جملة من المشهد لتعم الفائدة للناس جميعاً.

- هل ممكن أن تذكر لنا بعض الأفلام التوعوية التي أنتجتها وما هدفها؟
أول فيلم قصير كان باسم المحافظة على الصلاة، وفيلم آخر باسم (المساكين) بلغم الإشارة مترجم باللغة العربية، ويهدف إلى مساعدة المساكين والمحتاجين وتوعوية إخواننا الصم والناطقين لمساعدة بعضنا البعض، وأيضاً فيلم توعوي باسم (كورونا) هدفه نشر الوعي الصحي والوقائي من فيروس كورونا، وأتت فكرة هذا الفيلم بسبب قلة وعي الناس خصوصاً فئة الصم، لأن كل منظمات المجتمع المدني تنتج أفلاماً توعوية للناطقين فقط، وتناست فئة كبيرة من فئات الصم وذوي الاحتياجات الخاصة من التوعية، فكنت مُصِّراً على عمل فيلم توعوي قصير بلغة الإشارة بمشاركة أصدقائي الصم، لينالوا جزءاً من الوعي الصحي وكان فيلماً ناجحاً تماماً، حيث شاركت فيه بمسابقة أفضل فلاش توعوي عن طرق الوقاية من فيروس كورونا لمؤسسة همم حضرموت للأدوية والمستلزمات الطبية، وفزت بالمركز الثالث بمبلغ خمسين ألف ريال، كل التحية لـ د. إبراهيم العبادي لإتاحته لنا فرصة المشاركة. كذلك من ضمن الأفلام فيلم (معاناة الكهرباء) و (حادث) الذي يوصي بتخفيف سرعة السيارات والانتباه للأطفال في الطريق، و (لا للمخدرات) الذي يحكي كيف يتعاطى الشباب المخدرات بسبب الإهمال وقلة الوعي الديني والتربوي، ولعدم وجود ميول فني أو رياضي للشباب ما يجعلهم يتجهون للقات والمخدرات، وفيلم (شهر رمضان)، وكان يحث على التعاون والتآخي فيما بيننا البين.

- كيف يتم إنتاج هذه الأفلام القصيرة؟ هل أنت مصور فقط أم هناك من يقوم بدور المخرج والمونتاج وغيره؟
الحمد لله أنا من أقوم بالفكرة وكتابة النص والإخراج وتدريب أصدقائي الصم على التمثيل، وأجعلهم يقومون بالأدوار المناسبة للمشاهد، وأقوم بالتصوير والمونتاج عبر برنامج بريمر وافتكرافكت، وبحكم دراستي ومجالي في الحاسوب، فإني أجيد استخدامات الحاسوب بشكل سلس الحمد لله.

- كيف تنتج أعمالك؟ هل لديك إمكانيات كبيرة تؤهلك لتصبح مصوراً محترفاً ومشهوراً؟
للأسف لا. وإلى الآن لا أمتلك كاميرا ولا عدة تصوير.. ما أقوم به عند إنتاج الأفلام هو أن أستعير كاميرا نايكون من أحد أصدقائي الصم وأصور فيها، وعملنا إضاءة بصنع يدوي وكروما خضراء. نعمل بأبسط الإمكانيات، فقط لدي لابتوب بمواصفات عادية جداً. نعاني من شحة كبيرة في أبسط إمكانيات التصوير، لا نستطيع شراءها بسبب سعرها الباهظ، لكن الحمد لله نعمل بما عندنا من عدة بسيطة، ونجعل منها إبداعاً، وحالياً لدينا مؤسسة أنامل الصم للإنتاج الفني وللإعلامي. سعيد جداً بأنني أحد مؤسسي هذه المؤسسة الفنية التي ترأسها الأستاذة إعتدال، وكوادر من أصدقائي الصم.

- ما الصعوبات التي تواجهها في حياتك لكونك أصم أثناء إنتاج أعمالك وممارسة هوايتك وحياتك اليومية؟
أولاً لكوني أصم فعلاً كنت أتمنى أن أكون إنساناً ليس لديه إعاقة، وأسمع وأتكلم بشكل طبيعي، لأن هذا الشيء يعيقني كثيراً في إنتاج الأفلام مثل إضافة الموسيقى مناسبة لمشهد معين، لكن الحمد لله لدي من يساعدنا في الترجمة وإضافة الموسيقى المناسبة هو ابن خالتي لاعب الخفة والموسيقي النجم محمد تيكا.

وأيضاً هناك صعوبات في حياتي في التعامل مع الناس، لأن أكثر عقليات الناس غير المثقفة تنظر للشخص الأصم أنه ناقص، لا يعلمون أن النقص ليس بالإعاقة. النقص هو مضرة الناس وإيذاؤهم، والنقص هو أن تصبح عالة على المجتمع. النقص هو ألا يكون لديك طموح وأهداف تسعى إلى تحقيقها، فالإعاقة ليست بالجسد، بل هي في العقول، فكم من ذوي إعاقة ناجح في حياته، وكم من صحيح الجسد فاشل في حياته. إنني الحمد لله أرى نفسي كاملاً، وأحمد الله لكوني أصم، لأن العقل السليم في القلب السليم، أما صاحب الجسد السليم إذا كان قلبه غير سليم، فهو المعاق الحقيقي.

- ماذا تنصح الشباب الصم مثلك وغير الصم؟
أنصحهم بأن يتجهوا إلى العمل وممارسة هوايتهم ونشاطهم، ولا ينظرون إلى خلفهم وإلى معوقات الحياة. أعرف أن الواقع صعب خاصة في هذا البلد، لكن لكل مجتهد نصيب، والله لا يضيع مجهود الطامحين.

- من هم الداعمون لك في حياتك؟
أولاً الداعم الأول لي هو أبي وسندي في الحياة، وهو اليد التي أتكأ عليها، وأمي أيضاً هي الروح الداعمة لي والنهر الخالد الذي لا يتوقف وأهلي وابن خالتي الحبيب محمد تيكا والشاعر ياسين مروان والأستاذ القدير المترجم علي هيثم والأستاذة إعتدال عبدالمجيد، وصديقي أحمد ماهر، وجميع أصدقائي الصم والناطقين، فلا يتسع المجال لذكرهم إنما أشكر كل شخص قدم لي المساعدة. لهم مني كل التحية.

- ما هدفك الذي تود تحقيقه في المستقبل؟
هدفي أن أحقق كل أحلامي القريبة والبعيدة، وأن أنجح في جامعتي وأصبح محترفاً في الحاسوب، وتصبح لدي مؤسسة إنتاج فني، وأساعد أبي في الدخل اليومي، وأكوّن عائلة سعيدة في هذا الوطن الحبيب.

- هل لديك كلمة تحب أن تختم بها الحوار؟
أحب أن أقول إن مهما كانت إعاقتك قوية فلا تتوقف وتقعد. لا تكن محبطاً مهما كانت إعاقتك، فالأشجار لا تموت إلا وهي واقفة، قاتل اليأس وحارب الكسل ولا تفقد الأمل مهما حصل، وأحب أن أشكر المترجم الذي ترجم هذا اللقاء من لغة الإشارة إلى اللغة العربية، لتتسنى للجميع قراءته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى