يخرج اليمنيون في شمال اليمن وجنوبه عن بكرة أبيهم خوفًا على بلادهم، وحبًا لبلادهم، وحفاظًا على هويتها، ومنعًا من أن يرهنها تيار، أو حزب واحد، أو جماعة، بعد أن دفعت الثمن غاليًا، قبل ثورتها التي لم تفرح بها، حين جرى السطو عليها من أكثر الفئات والجماعات الذين يهوون الزعامة، المصابين بجنون العظمة في بلادنا، بعد كل فترة وأجهزة تغيير النظام باسم (التصحيح)، وهات يا فوضى، ويا خراب، ويا اقتتال، وضياع.. لغرض الحصول على المصالح والمكاسب والنفوذ، مما أدى ذلك إلى ما نحن فيه اليوم.

إجهاض ودمار وضياع كل شيء في البلاد، منذ أعلن الحاكم البريطاني في عدن والجنوب أن بلاده ستمنح الاستقلال لبلادنا، وما أن أعلن ذلك وهو لا يزال وقواته في ميناء عدن للرحيل، إلاّ وقد المعارك دائرة بين أعضاء جبهة التحرير والجبهة القومية في الشيخ عثمان بين فصيل وآخر، وهكذا ظلت الحروب متواصلة، لم يهدأ الشعب، ولم يتمتع بحرية بلاده؛ بل ظلت البلاد في نكبة وراء نكبة، حتى يومنا هذا – لم يحس المواطن الجنوبي بالأمن والاستقرار بالمعنى المطلوب، حتى الوحدة اليمنية التي هللنا لها، وظننا بها الخير لم تتحقق.. نأسف على ما جرى ويجري في بلادنا الغالية.

بلادنا الأصيلة عميقة الجذور، وشعبها المتحضر المسالم المؤمن الطيب، للأسف، لم تحظَ بلادنا بالأمان والاستقرار كبقية بلدان العالم، بل ظلت ولا تزال في دوامة الحروب والأزمات والنكبات يتسابقون (حمران العيون) على السلطة، وعلى خيراتها منذ أكثر من خمسين عامًا ونحن على هذا الحال، نردد أغنية (شيعوني وهم ضاعوا معي كلهم.. وإلى آخر الأغنية).

ما الذي يحدث لمدينة عدن (أم المساكين)، وكل مواطن يعيش فيها لديه وجهة نظر من أن قوت الشعب يعتبر خط أحمر، كرامة المواطن خط أحمر، حرية الإعلام خط أحمر، وتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء خط أحمر، وهناك قائمة طويلة من الشعارات والمقولات التي أطلق عليها خطوط، وعلى الرغم من ذلك نسمع يومًا بعد آخر إتلاف أطنان من الغذاء الفاسد، وهذا يعني أن هناك أطنانًا غيرها تسربت إلى الأسواق ومعدة للاستهلاك، كرامة المواطنين تنتهك من قبل الآخرين لأتفه الأسباب تصل حد إزهاق الأرواح البشرية في بعض الأماكن الأسرية وغيرها.

آه يا عدن (ياريت عدن مسير يوم) إلى آخر الأغنية.. عدن المدينة التاريخية وبقية مدن الجنوب العظيمة كانت أقل تنوعًا، بسيطة في كافة مناحي الحياة، كبيرة بأهلها، والحب والوفاء المتبادل بين الجميع.. عسى ربنا أن يرحمنا وتنتهي الحروب في بلادنا، ويعم السلام والأمان والاستقرار.

نطالب بهذا الدعاء مراعاة منا بأنه كلما زاد الاستقرار في المجتمع وزاد الإحساس بالأمن عند أفراده قلّت الفرص لظهور النزاعات العدوانية والعكس بالعكس.. ليعلم من لا يعلم أن كل مواطن يمني في الشمال أو الجنوب يريد الأمن والطمأنينة، وضمان مستقبل أولاده في الحياة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال دولة قوية جدًا تعمل على توفير كل متطلبات الشعب، ووضع حد لأي شخص مخرب فوضوي من خلال الضرب بيد من حديد على كل من يحاول تقطيع أواصر الأهل والناس الآخرين. يريدون زيادة الارتباط للشخص بأهله وشعبه وأصدقاءه لأنهم يحملون إخلاصًا ومشاعر غنية من الحب لوطنهم، لأنهم ملّوا من الضياع والتسكع والهربة والغربة – الكربة! في بلاد الغير (بلادك تعزك) عكس هؤلاء الذين فقدوا الحب والانتماء لوطنهم نتيجة السياسات المحلية (!!) والحروب والأزمات المتواصلة.

أخيرًا.. اللهم بشرنا بما ننتظره منك يا ربنا.. وأنت أرحم الراحمين.. اللهم عوضنا وأسعدنا بتحقيق ما في قلوبنا يا رب.. يا رب.. يا رب قولوا آمين.