هاشم وعثمان

> الناس في هذه المدينة طُبِعَت على البساطة منذ البداية، ليس تكلُّفاً، بل شيء أصيل وسجيّة، كانوا يتكسّبون الحلال بين صيّادٍ وملّاح يوم كانت عدن مدينة صغيرة، وقيل عنها قرية الصيادين، لكن في مكانها "الموقع" هِبَة الرحمن، وفي بحرها والجبل عطيّة السماء، تعشّقها الرحّالة وهواة الأسفار من الشرق والغرب، بل المدينة تستحق أيضاً أن تكون خضراء بالزرع والشجر.

كتب هنري سلت الرحّالة البريطاني الذي زار المنطقة عام 1809 قبل الاحتلال بثلاثين عاماً، أن الشيخ عثمان كانت غابة كثيفة بالشجر. يقول وهو في طريقه إلى لحج: إن الأغنام والجمال كانت تُشاهد في كل أنحاء الغابة، وكانت تقتات الأوراق أو الأغصان الطريّة.
ما يشير إلى أن مساحات من هذه الغابة ما زالت متوافرة في انتظار الدور الذي يجب أن تضطّلع به سلطات المدينة.

ثم يمضي ردح طويل من الزمن، إذ نسمع ما قيل عنه "المدينة الخضراء" في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لكن تلك المدينة هل كانت مشروعاً لإعادة استصلاح الغابة التي تحدث عنها سلت، ورسمها الكابتن هنس في خريطته عن المنطقة، أم لحاجة في نفس يعقوب؟
سيكون للمدينة ثلاثة ألوان بارزة إن أعدنا صناعة الغابة من جديد، وتحرّك مكتب الزراعة.. بحرٌ بموجه الأزرق وحقلٌ بزرعه الأخضر وبينهما المملاح بأهراماته البيضاء.

لك أن تتخيل أيُّها الجنوبي الحُر لحظة ذهول الراكب على الطائرة وهي تهبط باتجاه مطار المدينة الدولي، بينما يشاهد سحر الألوان الثلاثة، فيهبط قلبه شَجَنَاً قبل أن تمشي قدميه على ألأرض.
كانت مدينة الشيخ عثمان مكان تجمُّع المقاومة الجنوبية منذ 1839، وما زالت المترس والمحرس وسور المدينة الحصين.

هي لا تزال كما في التاريخ مُلتقى الناس من الريف والحَضَر، وقد روي أنها بدت مطلع القرن التاسع عشر عبارة عن مزار للولي الشيخ عثمان في "الدويل"، وهو المكان أصل المدينة وسميت باسمه، وكذا مسجد يصلي فيه المسافرون ومحطة للقوافل وعُشَش وأكواخ لسكان قليلون يعيشون من وراء الصيد وصناعة الملح.

كذا نحن في الجنوب بُسطاء مع قوّة ورباطة جأش، وفي حُب الوطن نرى أجسادنا التصقت بذرات رمل أرضنا الطيبة.
وهذه الحرب لم تفُت في عضدنا، بل أيقظت فينا الروح، ومنحتنا تداعياتها صوتاً قوياً للعودة إلى الوطن الذي كان دوحة نديّة للعيش الكريم، وواحة غنّاء للأمن والسلام.

وبعد الشيخ عثمان حوالي عام 1800 بزمن طويل دُفِنَ مطلع القرن العشرين الشيخ هاشم بحر "الهاشمي" وكان له مزاراً أيضاً يفوق مزار الشيخ عثمان.
لقد ناضل الجنوب ضد الاستعمار وفجّر الثورة وحصل على الاستقلال ،وما زال في نضال مستمر مع تناوب الغُزاة على أرضه ووطنه، ومضت مواكب التحرير في رحلة مضنية شمّرت فيها عن الساعد وشحذت الهِمَم ورفعت اللواء ،ومازالت الراية مرفوعة تنشد الحرية والسلام.

سيقول غُرماء الجنوب، إن الأحرار تفرقوا بين انتقالي وحراك، كلّا.. هذا المجلس واحة كبيرة لكل طلاب الحرية وإنْ تمايزت الرؤى وتباينت الأفكار..
حتى الجنوبي المنضوي تحت لواء الشرعية سيمد يده إلى أهله وناسه، وقد ضاق بالحل السياسي الموعود لأزمة اليمن، بينما يرى فقاعات يسمونها مفاوضات منذ سبع عجاف، سبعاً لا أنبتت زرعاً ولا أنضجت سنبلة!

كنا نتمنى لهذا الوطن الكبير شماله وجنوبه الخير والسلام لكن أبى شمال الشمال وأصحاب الهضبة الّا الحرب .
أما نحن في الجنوب ففي صف الأحرار ننتظر أن ننتصر للوطن الغالي الذي نريده "الجنوب"، بينما يريدونه "المُفارع" الذي يلوذون به حتى إذا أعطاهم الأمان سلبوه من جديد.
ليعلم الناس أن الجنوب يمضي على درب الحرية، انتقالي يرفع اللواء وحِراك يسير على الدرب.. لا فرق بين طلاب الحرية وإنْ تمايزوا، فالعبرة بالمقاصد.. كما لا فرق بين هاشم وعثمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى