في ذكرى "صعوده" 17 يوليو.. صالح حكم منفردًا ومات منتقمًا من اليمن بكلها

> مصطفى راجح

> ثلاثة عقود ونيف في الحكم، ومات صغيرًا. جعلته الجمهورية ملكًا غير متوج وهو القبيلي العكفي المجهول، ومات منتقمًا من اليمن بكلها، حاضرها ومستقبلها.

في جولته الأخيرة، منحته ثورة 11 فبراير فرصة العمر ليخرج من داخل جبل أخطاءه المتراكمة، بماء الوجه وبالثروة التي جمعها وبالحصانة! فتغلبت عليه غريزة الانتقام وعاد ليلعب لعبة مميتة أخيرة كانت طلقتها الأخيرة فوق رأسه.

حكم اليمن منفردًا بعد حرب 94، حكم الجمهورية اليمنية التي تمتلك ساحل يمتد على 2500 كيلومتر على البحرين الأحمر والعربي، وتحت سلطته 300 جزيرة وجرف صخري لا مثيل لها في المنطقة العربية على الأقل، وتحت سلطته بلد بشعب عظيم ونفط وغاز، والأهم من ذلك تاريخ عريق ومناطق أثرية لو حازت اليمن الاستقرار ونالت مناطقها الأثرية والسياحية العناية اللازمة، لتحولت اليمن إلى نموذج عربي للاستقرار والنمو والجذب السياحي، لكنه كان صغيرًا ومدمنًا للدسائس والحرشة والمماحكات.

حتى الجانب الإيجابي من وجه نظامه في الثمانينات " حكومة المتعلمين والتكنوقراط، عبدالعزيز عبدالغني والعطار ومكي والأرياني " تلاشى تحت نشوة انتصار نظامه في حرب 94، وصعدت الغرائز كلها لتحكم اليمن بالنخيط والصوالين والمشايخ والمرافقين.

لعب بالبيضة والحجر معتقدًا أن بإمكان فهلوته أن تمسك بالخيوط كلها في يده إلى مالانهاية.

ناور في قضايا تشرخ النسيج الوطني والوحدة الوطنية.

تلبسته ذهنية القبيلي المتعصب، بينما هو قاعد على كرسي حكم الجمهورية اليمنية.

استخدم قضايا صعدة والجنوب كأوراق كوتشينة، وكأنه يلعب في أرض بعيدة في المتجمد الشمالي، بينما اللاعبون الإقليميون يمرقون من بوابة " فهلوته " وأخطاءه ليعضدوا أوراقهم المستقبلية.

وظف إمكانيات الدولة للاستقطاب والإقصاء والاحتواء، وعند الضرورة للتصفيات والاغتيالات، وفِي نهاية المطاف كانت النتيجة بلدًا ملغمًا، ونخبة منخورة، وأرضًا يبابًا مفتوحة أمام قنابله المفرخة، وأمام الانبعاثات الماضوية وأمام التغول الخارجي على حد سواء.

كان بإمكان علي صالح حتى اللحظة الأخيرة، على سبيل المثال أن يبقى في السعودية أو أمريكا أو أثيوبيا التي عرضت عليه، وأن يحتفظ بثروته وببعض منطق يحاجج به فيما لو سقطت الدولة بدون رقصته الأخيرة، لكن قلبه كان أسودًا، ونظرته دامية، وجمجمته أصغر بكثير من أن تستقر على اختيار الترفع عن الولوغ في الانتقام وخيار شمشون.

لو امتلك أحد المعدمين الشرهين للغرائز والسلطة إمكانية حياة شبيهة بحياته لمدة عام واحد، لخرج منها متسامحًا مع العالم وكارهًا لكل ما أتخم به وما مارسه من إشباع للغرائز والتسلط، لكن جوع صالح كان منغرسًا في الروح ولا شفاء منه.

ما الذي كان يريده أو ينقصه بعد ثلاثة عقود ونيف؟!

لقد أراد أن يرى اليمن صورة طبق الأصل للحطام المنثور في باحة أعماقه. لقد أراد أن يرى اليمن مكسورة مثل ذاته. أراد أن يراها مهزومة مثله. ولا يقدم على هكذا انتقام إلا مسخ متجرد من كل انتماء لليمن والقيم والوطنية والأخلاق والإنسانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى