حرب العملة سلاح المتحاربين الجديد

> في الوقت الذي ساد فيه الهدوء في جبهات المواجهات العسكرية، ازدادت الحرب اشتعالا في المجال الاقتصادي، وهو المجال الأخطر على مستقبل البلاد وعلى حياة السكان، وذلك لتأثيره المدمر على العملة الوطنية.
تأثرت العملة بشدة بحالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد، والتي سادت فترات مختلفة خلال الستين عاما الأخيرة، فقد تأثرت العملة تأثيرا بالغا في ثلاث محطات مهمة ورئيسة من عدم الاستقرار التي مرت بها البلاد.

إن أحداث حرب عام 1994م وما سميت بثورة الشباب في عام 2011م وحرب عام 2015م قد كانت لها آثار وخيمة، على اقتصاد البلاد وعلى مستوى حياة السكان وتجلى ذلك في تدهور سعر صرف الريال حتى وصل إلى رقم مخيف وأصبح سعر صرف الدولار 1000 ريال يمني، مما أثر على القيمة الشرائية للعملة وأدى لزيادة الأسعار وزيادة الفقر بشكل خطير جدا.

وقد استخدم المتحاربون العملة كسلاح جديد وخطير في سياق الحرب الدائرة منذ سنين، كانت أول طلقة في الحرب الاقتصادية هي إعلان نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 18 سبتمبر عام 2016م، وذلك على إثر سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014م، وهو الأمر الذي أدى إلى انقسام السلطات النقدية، وإلى انقسام السياسة النقدية، مما أدى إلى تقويض استقرار العملة، الذي انعكس في التراجع السريع لسعر الصرف مقابل العملات الأجنبية.

أما المحطة التالية للصراع على العملة المحلية فقد برز بوضوح على إثر قيام البنك المركزي - عدن بطباعة طبعة ورقية جديدة للريال ووصول أول دفعة منها إلى عدن في يناير 2017م التي طبعتها شركة "جوزنال" الروسية، وجملتها حوالي 200 مليار ريال، حسب بعض المصادر، وذلك لسداد الالتزامات الحكومية في عدن وغيرها من المناطق، مثل دفع رواتب موظفي الدولة وغيرها من الأغراض.

لقد كان رد فعل سلطات صنعاء قويا ضد إجراءات طبع العملة من البنك المركزي -عدن فقد تم إصدار قرار حظر استخدام الطبعة الجديدة من الريال في يونيو 2017م، مبررين هذا الإجراء بتجنب التضخم، وحفظا لسعر صرف الريال، وهي الأهداف التي تحققت بالفعل في مناطق سيطرة الحوثيين إلى حد معين. وأقدم الحوثيون على مصادرة الطبعات الجديدة من الريال في مناطق سيطرتهم والاعتماد في التداول على الطبعة القديمة من الريال التي سادت قبل قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وهي الأوراق النقدية التي تم طبعها قبل ستبمبر 2016م.

إن الفشل في حسم الحرب العسكرية بين المتحاربين قد أدى إلى التحول إلى جبهة جديدة من الصراع المحتدم منذ سنوات، وهي الحرب الاقتصادية باستخدام العملة كسلاح جديد، تسبب بعدد من الآثار السلبية الخطيرة على الاقتصاد وعلى حياة الناس، يمكن إبراز أهمها فيما يلي:
1- انقسام السلطات المالية والنقدية في البلاد، وبالتالي تعدد الإجراءات والقرارات في هذا الشأن.

2 - انقسام الاقتصاد إلى اقتصادين غير متجانسين في مجالات أسعار الصرف، ووجود طبعتين من العملة المحلية يتصارع عليهما ومن أجلها المتحاربون.
3 - بروز أسعار صرف متباينة للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بفارق كبير يصل إلى قرابة 400 ريال للدولار الواحد كزيادة في المناطق المحررة مقارنة بمناطق سيطرة الحوثيين.

4 - بداية تشكل اقتصادين في نفس الدولة بعملة واحدة، وصعوبة وتعقد المعاملات التجارية بين المناطق المختلفة في البلاد، وتحمل المواطن والتاجر صعابا كبيرة في دفع فوارق العملة الواحدة بطبعاتها القديمة والجديدة، إذ يقوم السكان بالشراء والبيع بنوعين من طبعات الريال، فتسعر السلع بسعرين مختلفين في اقتصاد بلد واحد.

5 - قيام محلات الصرافة بفرض رسوم على الحوالات المرسلة بالعملة المحلية من عدن إلى صنعاء فقط لتصل في بعض الحالات إلى حوالي أكثر من 50 % من المبلغ المحول.

ولا زالت المواجهات بين الطرفين مفتوحة على كل الاحتمالات‘ فقد أصدر الحوثيون قرارا آخر في 7 يناير 2020م، يحظر استخدام وحيازة الطبعة المستجدة من الريال المطبوع أخيرا من قبل سلطات البنك المركزي – عدن، مبررين ذلك أيضا بمواجهة التضخم الناتج عن زيادة العرض النقدي وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها من الجانبين في حرب العملة المحتدمة على أكثر من مجال اقتصادي.

إن الحل الممكن لهذه الحرب الاقتصادية العبثية يكمن في ضرورة التوصل لهدنة اقتصادية تقودها الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والنقدية الدولية لتحييد الاقتصاد والعملة، وتوقف استخدامها كورقه في الحرب الدائرة رحاها ليل نهار على طول وعرض البلاد.

المقال خاص بـ«الأيام»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى