حراك سعودي يمني قبل هبوط طائرة المبعوث الأممي الجديد

> ​منذ أن أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اختيار الدبلوماسي السويدي هانز غروندبيرغ، لشغل منصب المبعوث الخاص إلى اليمن خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث يوم الجمعة الماضي، الموافق السادس من شهر أغسطس الحالي، شهد المشهد اليمني حراكاً واسعاً من قبل الأطراف المعنية، وصلت حد التصريح من قبل بعض تلك الأطراف بمعارضة المندوب الجديد كما هو الحال في الموقف الحوثي.

ويواجه ملف اليمن تعقيدات كبيرة، بسبب الفجوة المتسعة في المواقف بين الحكومة والحوثيين، اللذين يتعرضان لضغوطات متفاوتة لتسوية الخلاف على أساس تفاوضي، في الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة اليمنية بضرورة وقف شامل لإطلاق النار تمهيداً لمعالجة الملف الإنساني وحل شامل للأزمة، في حين تصر الميليشيات على ضرورة معالجة الوضع الإنساني وفتح مطار صنعاء وإدخال الوقود من دون شروط، قبيل الدخول في وقف إطلاق النار.

كما تصر الحكومة اليمنية على ضرورة أن تكون أي مفاوضات مقبلة مستندة إلى مرجعيات ثلاث، هي: المبادرة الخليجية (2011)، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، وقرارات مجلس الأمن الدولي خصوصاً القرار رقم 2216 (يلزم الحوثيين ترك المناطق الخاضعة لهم)، فيما يرفض الحوثي هذه المرجعيات، ما يجعل التوفيق بين الطرفين مسألة معقدة.

لقاء الخارجية وأعلى من ذلك
ومع اتساع رقعة الفجوة لإنهاء الأزمة، تضع الرياض والحكومة الشرعية الآمال على المبعوث الأممي الجديد، ويأتي لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، اليوم، نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك، من ضمن التحركات السعودية اليمنية الهادفة للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، بحسب ما أشارت وكالة الأنباء السعودية (واس) في بيانها، وقالت "إن الجانبين يستعرضان مجهودات ومبادرات المملكة الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في اليمن، وجهود الرياض التي تبذلها على الصعيدين الإقليمي والدولي من أجل دعم الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة، وإيقاف الانتهاكات الإنسانية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي بحق الشعب اليمني، التي تعطل بدورها كل الحلول السياسية لإنهاء الأزمة اليمنية".
وزير الخارجية السعودي لدى نظيره اليمني
وزير الخارجية السعودي لدى نظيره اليمني

ولم تقتصر التحركات السعودية - اليمنية على اللقاء الوزاري، إذ التقى نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في الرياض قبل يومين.
وناقش اللقاء، مستجدات الأوضاع في اليمن، وموقف الرياض الثابت في دعم الشعب اليمني الشقيق، وحكومته الشرعية والجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي شامل ينهي الأزمة ويحقق الأمن والاستقرار له.

تسهيل مهام المبعوث الجديد
وسبق للرئيس اليمني أن أعلن دعمه المبعوث الجديد إلى اليمن، بعد يومين من إعلان تعيينه، وأكد يوم الأحد الماضي في بيان للرئاسة اليمنية، ضرورة تعاون الحكومة مع المبعوث الأممي الجديد، وتسهيل مهامه، لتعزيز فرص السلام المبنية على المرجعيات الثلاث المتعارف عليها والمدعومة محلياً وإقليمياً ودولياً.

وأشار البيان إلى أن الرئيس اليمني استعرض خلال اجتماعه مع مجلس الدفاع الوطني مستجدات الأوضاع على الساحة الوطنية بجوانبها السياسية والاقتصادية والميدانية والمعيشية، وفرص السلام والمساعي الإقليمية والدولية في هذا الصدد.

اتفاق الرياض
وجدد الرئيس اليمني رغبة حكومته في تحقيق السلام ومواقفها الواضحة والصريحة، وتجاوبها وتفاعلها الدائم مع كل المبادرات الرامية إلى حقن الدماء وإنهاء انقلاب الميليشيا الحوثية وتبعاتها الكارثية على اليمن والمنطقة.
ووفقاً لبيان الرئاسة اليمنية، فإن الاجتماع أكد "أهمية وضرورة استكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض، ليسهم في توحيد الجهود والإمكانات لمعافاة الاقتصاد وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني، والنهوض بالتنمية وتعزيز الموارد لمواجهة الالتزامات الملحة تجاه متطلبات الفرد والمجتمع".

الحوثي يرفض
وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة الشرعية المضي لحل الأزمة اليمنية وترحيبها بالمبعوث الأممي الجديد، فإن الحوثي رفض الحوار معه قبل تنفيذ اشتراطات وضعتها الجماعة المتشددة مسبقاً.
وقال الناطق باسمها محمد عبد السلام، إن "تعيين مبعوث جديد لا يعني شيئاً".

وأشار في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إلى أنه "لا جدوى من أي حوار (مع المبعوث الأممي الجديد) قبل فتح المطارات والمواني كأولوية وحاجة وضرورة إنسانية"، حسب تعبيره.
واشترط الناطق باسم الحوثي إعلاناً صريحاً لوقف حملة استعادة الشرعية التي تقودها الحكومة المعترف بها بمعاونة دولية، ورفع الحظر عن المطارات والمواني التي تحكم الميليشيات سيطرتها عليها.

حراك أميركي
وبالعودة إلى الحراك السعودي اليمني للوصول إلى حل الأزمة اليمنية المندلعة منذ مارس (آذار) 2015، يرى مراقبون أنه يتزامن مع حراك الدبلوماسية الأميركية التي ضاعفت من جهودها الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق نار شامل للحرب اليمنية.

فمنذ تولى الرئيس جون بايدن مقاليد الحكم في يناير (كانون الثاني) الماضي، سارع مبعوثها الجديد، تيم ليندركينغ، الذي عين في فبراير (شباط) الماضي إلى بدء جولات متعددة في المنطقة، التقى خلالها مسؤولين خليجيين ويمنيين، وكان آخرها في شهر يوليو (تموز) الماضي، حين أجرى مباحثات في العاصمة السعودية مع عدد من المسؤولين اليمنيين بهدف تحقيق هدف الدبلوماسية الأميركية في إيقاف الحرب.

كما يسعى لحشد جهات إقليمية في المنطقة كالسعودية وعمان لإعطاء دفعة كبيرة لوقف إطلاق النار في اليمن، في الوقت الذي تضاعفت فيه الجهود التشريعية في الكونغرس لدعم الجهود الدولية لحل الأزمة.
وبحسب موقع وزارة الخارجية الأميركية فإن الجولات الدبلوماسية لمبعوثها تهدف إلى "تأكيد وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية والتعجيل بالسلام والتهدئة".

وقال رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك، في إشارة إلى الحراك الدبلوماسي النشط الذي أوجده مبعوث واشنطن، "هناك وضوح في موقف الولايات المتحدة تجاه ما يجري في اليمن، وما يبذله مبعوثها من جهود وتحركات نشطة بهدف إحلال السلام"، مؤكداً أن "شروط التهدئة في البلاد ليست معقدة، وإنما تتطلب مزيداً من الضغوط الدولية المؤثرة".

وعلى الرغم من توافق وجهات النظر بين المبعوث الأميركي لليمن والحكومة الشرعية، فيما يخص إنهاء الحرب والقبول بمبادرات السلام، فإن ميليشيات الحوثي ترى أن الموقف الأميركي يتنافى كلياً مع التصريحات والدعوات المتكررة إلى تحقيق السلام في اليمن.

سفير بريطانيا
تغييرات المقاعد في النزاع اليمني لا تقتصر على الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، بل شملت أيضاً المملكة المتحدة التي تبدي اهتماماً بالملف في مجلس الأمن الدولي، والتي بادرت هي الأخرى بتعيين ريتشارد أوبنهايم سفيراً لها في اليمن خلفاً للسفير مايكل آرون، الذي بدأ مهام عمله منذ شهر.
السفير الجديد ليس بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط، إذ سبق أن عمل في منصب نائب السفير البريطاني في الرياض، إضافة إلى تولي عدد من المهام الدبلوماسية في سفارتي بلاده لدى كل من مسقط وبغداد.

وعلى الرغم من سعي بريطانيا وأميركا لحل الصراع الدامي، فإن العبء الأكبر يقع على عاتق الأمم المتحدة، التي لم تستطع التقدم في هذا الملف منذ اندلاع الحرب وهذا ما جعلها تغير مبعوثها للمرة الرابعة على التوالي، الذي سيواجه صعوبات كبيرة في التوفيق بين طرفي النزاع، بخاصة فيما يتعلق بضرورة حل الأزمة سلمياً.

رابع مبعوث أممي لليمن
ويُعد السويدي غروندبيرغ رابع مبعوث أممي إلى اليمن منذ عام 2011، الذي يتولى مهامه في الوقت الذي يبدو فيه الصراع أكثر اشتعالاً مع رفض ميليشيا الحوثي كل مبادرات الحل السياسي.
السويدي، ليس بعيداً عن الملف اليمني، إذ يشغل منصب سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن منذ 2019.

وسبق لبلاده أن استضافت طرفي النزاع باليمن في مشاورات اختتمت بتوقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وخلال مهامه كسفير للاتحاد الأوروبي، عرف بنشاطه وعقده لقاءات متعددة مع طرفي النزاع اليمني.

وفي فبراير الماضي، زار العاصمة المؤقتة عدن، وعقد هناك مباحثات حول الأزمة مع مسؤولين حكوميين.
وسبق له أن قام بزيارة للعاصمة صنعاء مع وفد ضم سفراء أوروبيين آخرين، ضمن التحركات الدولية الرامية إلى وقف الحرب في يناير الماضي.

غريفيث كأسلافه
وسبق غروندبيرغ في المنصب البريطاني مارتن غريفيث الذي غادر منصبه كأسلافه العاجزين عن إيجاد حل، وهو الذي عين في فبراير لعام 2018 خلفاً لولد الشيخ.
وخاض غريفيث خلال فترة عمله العديد من اللقاءات في اليمن وعدة دول، من أجل العمل على وقف إطلاق النار تمهيداً لاتفاق يفضي لإنهاء دائم للأزمة.

وقاد غريفيث جهوداً أممية نجحت في التوصل إلى اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين في ديسمبر 2018.
وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة (غرب)، وهي المعركة التي حذر جميع الخبراء الإنسانيين من أنها كانت ستقطع خط المساعدات الإنسانية الرئيس في البلاد وتدفع اليمن إلى مجاعة واسعة النطاق، وفق بيان سابق صادر عن مكتبه.

كما ألزم اتفاق ستوكهولم الطرفين بتبادل جميع الأسرى، بمن فيهم المدنيون المحتجزون تعسفياً. وبناء على الاتفاق، جُمع كل من مكتب المبعوث الأممي ولجنة الصليب الأحمر الدولية ممثلين عن الأطراف في لجنة التقت عدة مرات وتفاوضت بنجاح أُطلق على أثره سراح أكثر من 1000 محتجز في أكتوبر (تشرين أول) لعام 2020.

كما تبادل الطرفان من خلال اللجنة قوائم المحتجزين كأساس للمفاوضات المقبلة بشأن إطلاق سراح المزيد من الأسرى المحتجزين.
ويعد اتفاق ستوكهولم أبرز نجاحات غريفيث، على الرغم من أن العديد من بنود الاتفاق لم تطبق على الأرض مثل إعادة انتشار القوات في الحديدة وحل الوضع الإنساني في محافظة تعز (جنوب غرب) وتبادل شامل للأسرى.
وفي آخر إحاطة له إلى مجلس الأمن الدولي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، أبلغ غريفيث المجلس أن الأطراف اليمنية "غير قادرة" على تجاوز خلافاتها.

ولد الشيخ وتعثر المفاوضات
عين إسماعيل ولد الشيخ بعد شهر من انطلاق عملية التحالف العربي لدعم الشرعية، وتحديداً في 25 أبريل (نيسان) 2015 ليكون خلفاً لجمال بنعمر.
وقاد في مدينة جنيف السويسرية أولى المشاورات التي انعقدت بين الحكومة اليمنية والحوثيين في يونيو 2015، ولكن وبعد أيام معدودة من بدئها أعلن ولد الشيخ عن انتهائها من دون التوصل إلى اتفاق.

وتعثر المفاوضات لم يكن متوقعاً، فبعد ستة أشهر أعلن مجدداً عن بدء مشاورات جديدة وتحديداً في ديسمبر 2015 انعقدت بالفعل في مدينة بيال السويسرية ولكنها لم تقدم شيئاً ملموساً هي الأخرى.
وعلى الرغم من فشل المشاورات لمرتين متتاليتين، نجح ولد الشيخ في إقناع الأطراف اليمنية بالذهاب إلى طاولة المفاوضات التي انطلقت بين الحكومة والحوثيين في أبريل 2016 وهذه المرة كانت في الكويت.
وقال في تصريحات صحافية تزامنت مع المحادثات "لن نعود إلا بالسلام والأمن إلى اليمن". ولكن وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر من انطلاقها، أعلن عن انتهائها في 6 أغسطس من دون تحقيق أي اتفاق.

أول مبعوث أممي لليمن
وسبق ولد الشيخ إلى منصب المبعوث الأممي لدى اليمن الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر، الذي جاء في أبريل 2011، إثر اندلاع ثورة شعبية ضد نظام الرئيس السابق الراحل علي عبد الله صالح.
وقاد بنعمر في العام نفسه وساطة بدعم خليجي بين نظام صالح من جهة، وأحزاب المعارضة وشباب الثورة من جهة أخرى، تكللت برحيل الرئيس عن السلطة وتسليمها إلى نائبه حينها عبد ربه منصور هادي، الذي انتُخب رئيساً توافقياً في فبراير 2012.

ولم تستمر فترة الهدوء السياسي في اليمن طويلاً، ففي 21 سبتمبر (أيلول) لعام 2014 سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء بعد اقتحامها بقوة السلاح، الأمر الذي دفع بنعمر للسعي لإيجاد حل تكلل بتوقيع "اتفاق السلم والشراكة" بعد ساعات فقط من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
ونص الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق جديدة برئاسة خالد بحاح، شاركت فيها جميع المكونات الفاعلة، بما في ذلك جماعة الحوثي التي دخلت التشكيل الحكومي للمرة الأولى في تاريخها.

وعلى الرغم من تشكيل الحكومة، استمرت الأزمة مع الحوثيين الذين ظلوا مسيطرين أمنياً وعسكرياً على صنعاء، ما جعل رقعة الخلاف تتسع إلى أن حُوصر الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح وفرضت الإقامة الجبرية عليهما من قبل الحوثيين.
ونجح هادي مطلع 2015 في الفرار من مقر إقامته حتى وصل إلى مدينة عدن (جنوب) ومنها إلى السعودية، لتبدأ مرحلة جديدة أعلنت فيها الرياض في 26 مارس 2015، بدء حملة عسكرية دولية لمواجهة الحوثيين، بهدف إعادة شرعية الرئيس هادي وحكومته إلى صنعاء.

إندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى