بين العجز والفشل

> حينما كنا أطفالاً في الصفوف المدرسية الابتدائية، كنا نتشاجر كثيراً، وكثير من مشاجراتنا كانت تنتهي بالعراك بالأيدي، لكن ذلك يحدث عادةً بعد مرور المتعاركين بمرحلة المعايرة أو تبادل النعوت لبعضهم بالألقاب، ومن ضمنها تلك المرتبطة بالمستوى الدراسي، حيث ينعت الأفضل للأضعف دراسياً بالعاجز أي الضعيف دراسياً، وكأنه بتلك الكلمة يعبر عن تقدير مجتمعي للعلم والتعليم والتحصيل الجيد للعلم، وفي نفس الوقت يظهر بذلك الاستهجان وعدم التقدير المجتمعي للمهملين لدراستهم وغير الآبهين بالتحصيل التعليمي الجيد.

إننا لم نكن نميز جيداً بين اللفظتين لغوياً من حيث المعنى رغم وجود فارق بينهما. فالعاجز ليس هو الفاشل، إذ يأتي في معنى العاجز احتمال ما للوصول إلى رغبة ما أو هدف ما، لكن أسباباً معينة قد تكون مرتبطة بظروف ذاتية أو موضوعية حالت دون الوصول إلى النجاح وعجْزُ العاجز يظهر ذلك. أما الفاشل فهو الذي يعجز تماماً عن بلوغ الهدف لأسباب ذاتية في الأساس ويظهر ذلك في عدم المقدرة على الوصول إلى الهدف رغم توفر الظروف الموضوعية والزمن اللازم الكافي له للنجاح.

إذن نستخلص مما قلناه نتيجة واحدة تتمثل في أن اللفظتين من حيث المحصلة متساويتان، ويتمثل ذلك في عدم المقدرة على الوصول إلى الهدف، وما المسألة في حقيقة الأمر إلا فروقات نفترضها، متعلقة بتقدير إمكانيات كلٍ من العاجز والفاشل.

للتوضيح أكثر، دعونا -من خضم واقعنا المأزوم وحياتنا التعيسة- نورد مثالين معبرين (على الأقل من وجهة نظري) لحالة العجز والعاجز والفشل والفاشل، بغض النظر عن أن الدولة اليمنية مصنفة بدولة فاشلة من أيام المخلوع، وبغض النظر عما تلى ذلك من أحداث، ومن واقع أن اليمن دولة تحت وصاية العالم، ووجود التدهور العام لكل جوانب الحياة، كل ذلك كان كفيلاً بأن يخلق حكومات وطنية تستشعر المسؤولية والأخطار التي تحيق بالبلاد والعباد غير أن ما هو حادث أن الحكومات التي توالت علينا لا سيما الحكومة الحالية وُلِدَت فاشلةً مسلوبةً القرار، منعدمة الرؤية، مشوهة جينياً من حيث عناصرها، وكل ما تمتلكه هو مسمى حكومة ليُكذب على العالم بقولهم حكومة شرعية والشرع منها براء.

إنها ببساطة حكومة تجسد كل معاني الفشل، فإذن هي حكومة فاشلة.
أما عن العاجز فليس من يعكس معنى العجز بأبهى صوره مثل مجلسنا الانتقالي الذي أظهر عجزه في عشرات المواقف، وهو من يفترض به أنه مجلس يقود ثورة واضحة الأهداف والنوايا لشعب منحه ثقته، وكلفه بقيادته، وقدم الآلاف من الشهداء والجرحى، قرباناً على مذبح الثورة بنية بلوغ الحرية والانعتاق من الوحدة المدمرة.

إن عجزه تمثل في خروج تدريجي عن الخط الثوري الذي سلكه وسلوكه مسلك الدولة الضائعة، وتكبيل نفسه بملزمات ما أنزل بها الشعب الثائر من سلطان، ناهيك عن الحبال المعدنية الملفوفة بالحرير الناعم التي كبله بها الآخر الذي حسبه أخاً، فأصبح بذلك أكثر عجزاً، ليتلو ذلك بارتكابه أكبر أخطائه بوضعه رجلاً في الحكومة الفاشلة ورجلاً في ما تبقى لديه من بقايا ثورة حلمنا جميعا أنه يقودها، وكأنه يستغفل الحكومة الفاشلة ومن ورائها، وكذا جموع الشعب الذي يرصد كل حركة على المسرح السياسي نتيجة المعاناة الفظيعة التي قهروه بها قادته، شرعيين وغير شرعيين، الحلفاء والأوصياء على الوطن. في الانتقالي يتبدّى العجز الذاتي والموضوعي، وكليهما بحاجة إلى تدخل الجماهير لتصحيح الأوضاع، إن هو أظهر عجزه عن إصلاح ذاته، وهو الأمر الذي لا يزال البعض يراهن على فعله.

أرجو أن يكون الفرق بين اللفظتين قد أصبح واضحاً ونحن نستخدم اللفظتين، لكن ونحن كبار في هذه المرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى