دردشة على هامش مؤتمر الحوار

> الحوار قيمة إنسانية بالغة الأهمية تجتاز به البشرية على مدى تاريخها الطويل وضعا حرجا وصعبا. وهو ليس غاية بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة راقية وحكيمة للخروج من حالة انسداد في الأفق السياسي، وتعقيداته بما يعرض السلم الاجتماعي الداخلي أو بين الدول لكارثة تسعى بقدمين اسمها الحرب، تنسف هذه الحرث والنسل وتعطل مباهج الحياة وتعرقل التنمية وتكشف عن وجهها القبيح كما قال الشاعر الجاهلي:

وما الحرب إلا ما علمتم و ذقتم * وما هو عنها بالحديث المرجم
فإن تبعثوها تبعثوها ذميمة * و تضرى إذا ضريتموها فتضرم

كان الحوار بين فصائل الحكم الجنوبي ذوات الاتجاه اليساري - الماركسي: القومية والبعث والماركسيين في سبعينيات القرن العشرين مؤشرا على تهافت اليسار على استرضاء "الكرملين" وكان قد بدا جليا في انشقاقات حركة القوميين العرب في بيروت جنوحا نحو موسكو، كما هو حال الجبهة الديمقراطية بقيادة نائف حواتمة ثم "ضرتها" الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش؛ لترسم لنفسها خطا مع موسكو خوفا من استحواذ الديمقراطية على الود كله.

بينما ظلت الجبهة الشعبية (القيادة العامة) بقيادة أحمد جبريل على نفس مبادئ الحركة الأم التي تأسست في أربعينيات القرن العشرين في أروقة الجامعة الأمريكية ببيروت.

في حوار عدن، رغم واحدية الاتجاه الأيديولوجي إلا أن الحوار كان طويلا وشاقا على الطريقة العربية. وقد وصفه أحد السياسيين بأنه: أطول حوار في أصغر بلد. وكان عوض الحامد - رحمه الله - أجرأ المنتقدين للحوار، وحين أبعد إلى كوبا عشية المؤتمر التوحيدي استطاع أن يقنع فيدل كاسترو ويعود إلى عدن، عندما قال له: متى أصبحت كوبا قلعة الثوار سجنا للثوار. وعند حضوره أعمال المؤتمر، قال مقولته الشهيرة: إني أرى وجوها لم تمسها حرارة الشمس! وهذا انعكاس للفكر الثوري الشعبوي في حينه لدى البعض. ولكن المؤتمر أثمر توحيد الفصائل وتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني بخيره و شره كنا معه أو ضده.

أما الحوار الضائع، وهو الأهم والذي كان من شأنه أن يغير حركة التاريخ باتجاه آخر غير اتجاه الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠م فكان حوار الجنوب مع الجنوب الذي طالبت به عديد قوى سياسية معارضة بالخارج، ورفضه الحزب الحاكم في عدن مفضلا الوحدة مع صنعاء. فإصلاح الشأن الجنوبي المتضرر سياسيا واجتماعيا وحتى إنسانيا مذ عام الاستقلال ١٩٦٧م بسلسلة الإقصاءات والملاحقات والتنكيل والتصفيات التي طالت حتى حزب الحكم نفسه، كان ضروريا لإغلاق ذلك الملف الدامي وتوحيد القوى الجنوبية على القواسم الوطنية المشتركة ثم التفكير بعد ذلك بالوحدة.

كانت رابطة أبناء الجنوب سباقة في إرسال تحذيراتها من وحدة كهذه، وأرسلت ما جمع في كتيب بعد ذلك عن رؤيتها البديلة، وهي لا تعدو أن تكون وحدة جنوبية - جنوبية. وكذلك فعلت قوى جنوبية أخرى إلا أن الرفاق قد أجمعوا أمرهم ليلا وأذهلوا حتى حاكم صنعاء نفسه.
لا أدرى كيف يتم الركون إلى حاكم قبلي لا ينسى ثأره بعد حربين داميتين بين الشطرين، كان النصر فيهما حليف عدن في الحالتين .

وكان ما كان من أمر فصول المأساة التي توجت بذبح الوحدة من الوريد إلى الوريد واحتلال الجنوب في ١٩٩٤م.
اليوم تطرح قيادة المجلس الانتقالي فكرة الحوار الجنوبي- الجنوبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولاستعادة كيان الجنوب وإعادة الاعتبار لأهله.

وإذا كانت بعض النخب السياسية قد وجدت مناخا مناسبا لها خارج دعوات الحوار وإنقاذ الجنوب، فإن الداخل الجنوبي المحرر وغير المحرر، وهو يكابد حروبا معلنة وغير معلنة، أسوأها حرب الخدمات، وهي من حروب الجيل الرابع، فهو المعني باي حوار يعيد إليه التوازن.
وعلى صاحب الدعوة (المجلس الانتقالي) البحث عن لجنة تحضيرية من أصحاب المصلحة الحقيقية في الحوار الجنوبي، تحديدا من الداخل، لتضع هذه اللجنة آليات الحوار وضوابطه وأهدافه ورؤيته للمستقبل على أساس الخروج من الوضع الراهن واستشراف أفق الجنوب الديمقراطي الحر والسيد على أرضه دون وصاية من أحد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى