كعبة الإنسانية

> عدن هي الملاذ الأخير للحيارى الذين غادروا من زبيد وبلاد الحُجرية جاءوا يجرّون أمتعتهم في رحلة مُضنية، وكأن اسمها أشرق في نفوسهم من جديد.
هي المدينة التي تشفق وترفق منذ أن خرج الأحرار يلوذون بركنها من عسف الإمام، وكانت المنزل الآمن والوطن الضامن.

وللمشرّد الذي نازعهُ الشَجَن ليستريح على ضفافها، هي الأصيلة التي تُنجِز الوعد، حيث يصير الوصول إليها فوزاً ونجاة وتحقيق حلم.
سبع سنوات من السّفَر وما كلّت الأقدام، لأنها تسير إلى عدن، وقد ترنّم المُفارِق يوماً "يا ليت عدن مسير يوم".

سنوات الارتحال هذه حفرت في الذاكرة مأساة وطن.
لم تكن عدن السبب، بل هي من مسح عن الجباه تعب الطريق، وهدّأت من روع النفوس القَلِقَة، ومدّت كف الندى.

ارتحل إليها النازح من حجور ووافاها إنسان المخا وتشبّث بِحِجْرِها مواطن الخوخة كأنها كعبة الإنسانية.
ما برحت المدينة تفرش ظلالها للمُتعبين الذين ما استراحوا إلاّ عند عتبات بابها بعد أن استبدّت بهم حرائق الشمال.

كم تغدو عدن الثغر المُبتسم، وتروحُ الألَق المُرتسم، تهبُ العطيّة بلا مَنّ، تصفح وتسامح، ما زالت في أشواق البعاد شِعراً يلامس الحنايا، وفي أرواح من لازمهم الهَجْر أغنيةً تلامس الشِغاف.
كأن القوم المرتحلين يهتفون، "هلُمّوا إلى بَرْد الجنوب".

من يصيغ الآن هذا الحُب الأثير وقد فات الرافضين لحوار الجنوب قطار الفُرصة وكان بِمَلْكِهم أن يرسموا وهَجَ النشيد ويضمّخوا الراية بِعطر الحرية، ويلملموا التضاريس، ارجِعوا، والعَود أحمد.
ألا فليشهد العالم أن عدن "إنسانية"، وهي بقيّة مدن الوطن التي تهوي إليها أفئدة الناس، و "الواصلة" بعد أن تمزّق ما كان يسمى باليمن وتقطّعت أوصاله، ومحل نظر الذين شرّدتهم الحرب في المنافي، وليست صنعاء، بعد أن يئسوا من "لا بد من صنعاء".. حللتم أهلاً في دولة الجنوب، رُفِعَت الأقلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى