مستحقات الطالب اليمني بين وطأة الحرب وفشل مؤسسات الدولة

> ريم الفضلي

> محمد إبراهيم، طالب يمني مبتعث إلى الأردن، باع جوازه ثمنًا لقيمة الطعام الذي يأكله من المطعم الذي يعمل فيه، لم يكن حال الكثيرين من الطلاب يختلف عن حال إبراهيم، فطالبة طب الأسنان سكينة ردمان هي الأخرى اضطرت أن تعمل بوظيفة بسيطة لتحاول بقدر المستطاع أن تعيل نفسها. فمنذ بدء الأزمة اليمنية، ونتيجة للعديد من الأسباب منها التدهور الاقتصادي والفساد الإداري، توقف حال العديد من المنشآت والمؤسسات الحكومية داخل البلاد وخارجها. كان الطلاب اليمنيون في الداخل والخارج يقاسون الأمرين، فقطع المستحقات وتأخر وصولها مع العيش بعيدًا عن الأهل والتلاعب في سجلات المنح، كانت أسبابًا كافية لتجعل من حياة الطالب اليمني أزمة حقيقية أثرت على حياته سلبًا.

تعددت الدول والمعاناة واحدة
في العام 2017، كان عدد الطلاب المبعوثين للخارج يقارب الـ 9300 طالب وطالبة، موزعين على 38 دولة عربية وأجنبية. عانى غالبية الطلاب في الدول المذكورة، مشاكل عديدة صودرت فيها حقوقهم وأهدرت مستحقاتهم نتيجة احتقان سياسي لا علاقة لهم به غير أنهم قرروا المضي في تحقيق أحلامهم والتطوير من أنفسهم وبناء بلدهم عندما يعودون إليه.

روان نياز (24 عامًا) طالبة علوم سياسية في جامعة القاهرة، قد سافرت في عام 2017 إلى القاهرة عبر منحة تبادل ثقافي وبعد أن وصلت وأجرت كافة المعاملات القانونية تفاجأت بإسقاط اسمها من كشوفات التبادل الثقافي.
"عشت حالة من الإحباط ووصلت لمرحلة كرهت فيها بلدي ودخلت في اكتئاب قوي لأنني رأيت مستقبلي يضيع أمام عيني"، تقول روان.

وبعد أن أضاعت نياز سنة كاملة من حياتها بسبب هذا الفساد الإداري، تفاجأت بمصادر من عدن تخبرها أن اسمها ما يزال موجودًا، واستطاعت بعد ذلك استرجاع منحتها، لكنها لم تعلم أن المعاناة لم تنتهِ بعد، كحال كل الطلاب المبتعثين، قاست روان التعب النفسي الذي كان هو الأصعب.
وحملت نياز ما يحصل لها ولزملائها، إلى فشل الحكومة وتعنتها المتواصل لطمس حقوقهم، الذي برأيها ما هو إلا نتاج عن الفساد الحاصل داخل الإدارات المعنية بشؤون الطلاب.

ومن جهته رأى صدام المجهلي، طبيب بيطري وأكاديمي مبتعث من جامعة ذمار ومسؤول سابق في رابطة الطلاب المبتعثين من الجامعات اليمنية في ماليزيا، أن المشكلة قد بدأت حين تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وبعد أن تم تغيير طاقم وزارة التعليم العالي حصل إشكال في خطة العمل مع الطاقم الجديد الذي ظل يبحث ويرتب ويتواصل مع الملحقيات في أنحاء العالم للحصول على كشوفات بأسماء الطلاب المبتعثين مما أخر صرف المستحقات في بداية الأمر لمدة ستة أشهر متواصلة.

على الرغم من تعذر الحكومة بالحرب الحاصلة إلا أنها ليست السبب الحقيقي خلف ما يحصل كما يقول المجهلي وأن المشكلة الحقيقية لكل الحاصل في حق الطالب اليمني سواء بالداخل أو بالخارج هو الفساد الذي ينهش أركان وزارة التعليم العالي والملحقيات الثقافية اليمنية في الخارج.
وتابع: “نتاج هذا الإهمال والفساد المتعمد كله عائد على ظهر الطالب بالمهجر ففي الحين الذي يتأخر فيه الطالب عن سداد رسوم دراسته تلغي الجامعة اسمه من السجل الجامعي، فلا يستطيع بذلك دخول امتحاناته أو تجديد فيزة دخوله”.

أصوات استغاثتهم غير المسموعة
حاول الطلاب رفع أصواتهم في مرات عديدة وبوسائل كثيرة كتنفيذ اعتصامات واحتجاجات طالبوا من خلالها تسليم حقوقهم، ففي روسيا مثلًا، قام عدد كبير من الطلاب بتنفيذ اعتصام مفتوح داخل السفارة اليمنية دام 40 يومًا.
يقول واس شريف (24 عامًا)، طالب في السنة الأخيرة بكلاريوس هندسة نفط وغاز، وعضو اللجنة التحضيرية للطلبة اليمنيين في روسيا، في هذا الصدد “كانت أول استجابة من قبل حكومتنا أنها أعطت الأوامر للأمن الروسي بأن يتم اعتقالنا، متهميننا بإعاقة عمل البعثة الدبلوماسية.”

واس الذي سجن هو وزميل له يدعى يوسف مرعي، يحكي عن المعاناة الكبيرة التي يعيشها الطالب اليمني في الخارج، قائلًا: “حين يتأخر الطالب في تسديد الرسوم الجامعية تقوم الجامعة على الفور بفصله، وحين يقوم بتوفير المبلغ الذي يتوجب عليه دفعه يتفاجأ بمطالبة الجامعة له بأوراق تثبت أنه طالب لديها، وهذا ما يدخله في معضلة لا نهاية لها.”

عدد كبير من النشطاء والحقوقيين في الداخل والخارج ضموا أصواتهم الداعمة لهم، على رأسهم الناشطة الحقوقية هدى الصراري، مؤسسة دفاع للحقوق والحريات.

الصراري اعتبرت المعاملة اللاإنسانية التي تعرض لها الطلاب في الخارج من قبل سفارات اليمن في الدول تعد مخالفة قانونية ينبغي حسابهم عليها ومساءلتهم، أضافت: “أن مثل هكذا فعل ما هو إلا تقصير متعمد من قبل وزارة التعليم العالي وإخلال بمسؤولية الوزارة تجاه الطلاب في ظل الوضع الاقتصادي السيء لليمن والظروف السياسية الصعبة والذي انعكس سلبًا على حال اليمنيين في الداخل والخارج.”

آمال الشباب في مهب النسيان
لم تطل مشاكل المستحقات الشباب المبتعثين فقط، فقد تراجع عدد كبير من الشباب بالداخل، الحاصلين على منح ابتعاث مقدمة من الحكومة، عن رغباتهم وأحلامهم التي سعوا لها منذ الصغر. وكثير منهم قد عملوا المستحيل كي لا تضيع منهم فرص الدراسة في الخارج، فأصلحوا الكثير من القصور الذي واجههم من الجهات المسؤولة.

تقول س.م (22 عامًا): “اتصلت صديقاتي بي يخبرنني أنني قد حصلت على منحة تبادل ثقافي، كون اسمي قد شمل لائحة الأوائل على المحافظة”.
حين بدأت س.م بعمل الإجراءات اللازمة، تفاجأت بأن تكاليف قرار إعطاء المنحة الشاملة قد تم إلغاؤه بعد حرب 2015 وتوجب عليها حينها دفع رسوم تذكرة السفر.

“بعد أن رهن أبي منزلنا لتوفير سعر التذاكر اللازمة لسفري إلى باكستان وحين وصلت للسودان، تفاجأنا بأن فيزة الدخول كذلك يجب على الطالب دفع تكاليفها”.
قصتها لم تنتهِ عند دفع رسوم فيزة الدخول إلى باكستان فقط، فقد بدأت معاناة س.م كأي طالب يمني بالمهجر تتفاقم مع تأخر دفع رسوم مستحقاتها.
لم تنتهِ معاناة الطالب اليمني بالداخل والخارج حتى اللحظة، ومازال يكافح للحصول على أدنى حقوقه، معلقًا آماله بالحكومة الجديدة، علها هي الأخرى تخرج من تابوت مثيلاتها وتعطي لكل ذي حق حقه.

"منصتي 30 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى