​السقوط السياسي ثمرة الفشل اللغوي

>
سأدخل مباشرة إلى موضوعنا الذي يحتاج في حقيقة الأمر إلى حيز أكبر من المساحة التي يمنحها لي كرم رئيس التحرير عادةً، كون الموضوع ذا صبغة أكاديمية - اجتماعية - فلسفية، مرتبطة بمستقبل أمم وشعوب، لكن المحظور الأكبر بالنسبة لي، والذي ينبغي التغلب عليه، هو في كيفية تقديم الموضوع بصورة مبسطة تمكن القارئ العادي من استيعاب مضمون الموضوع وفهمه.

أي لغة في التعريف الموسوعي هي مجموعة من الأصوات التي يصدرها البشر حين يتخاطبون فيما بينهم، ولكل حركة صوتية دلالة معينة لدى الطرفين، وهم بهذا يسيرون أمور حياتهم وشؤونهم المختلفة فرحاً أم غضباً أم تعبيراً عمّا هو مادي أو شأن معنوي.
وتختلف قدرات اللغات عن التعبير الدقيق لما ينبغي التعبير عنه كما أن لكل لغة قدرات أبستمولوجيا (معرفية) خاصة بها، وهذا غير ما يمكن أن تغير به قواعد نحو هذه اللغة أو تلك من تغيير في الدلالات والمعاني لمعنى المفردات والجمل البسيطة منها والمركبة مما يتخاطب بها الناس، وكمثال على ذلك نذكر (أل) التعريف التي كتبت في أحد نصوص قرارات مجلس الأمن بالإنجليزية ولم يكن لها موقع في النص الفرنسي الذي اعتبر الأساسي والمعتمد عليه، والذي ذكر أراضي عربية محتلة في حرب 1967م، وفي النسخة الإنجليزية ذكرت الأراضي العربية المحتلة، وشتان بين أراضٍ والأراضي.

بيت القصيد في هذا الموضوع هو ما حدث لي قبل بضع ليالٍ وأنا أتابع نشرات وبرامج إخبارية مختلفة المصادر من المسيرة وأخواتها إلى العربية وأخواتها إلى الشرعية وأخواتها إلى عدن المستقلة والخاتمة بقطر وبالغد المشرق، أقسم بالله إنهم كانوا مستضيفين محللاً سعودياً كان يتكلم وكأنه خبير ومعلوماته كلها غلط في غلط، ففزعت مما يقوله الخبير وفي المحصلة كل قناة كانت تتحدث بمفردات خاصة بها ولا يهم الكذب أو ليّ عنق الحقائق.

أناس تتكلم باسم دولة في صنعاء، وقلة انفصاليين مارقين وكافرين ومليشيات في صنعاء ومليشيات في عدن، واحتلالات إماراتية وسعودية لمحافظات جنوبية، وجيش شرعي غير موجود، وقبائل تدافع عن مناطقها في مأرب بعد أن باعوا معسكراتها، وقادة لجيش يتكلمون وهدارين من الرياض وإسطنبول وقطر، وكل جهة تفسر بطريقتها، والقاعدة موجودة في كل هؤلاء تسمى بمسميات مختلفة رغم معرفتنا بوجودها في كثير من مناطق اليمن، ولولا أن أعرف أنهم يتكلمون عن اليمن الذي أعيش فيه، لقلت إنهم يتحدثون عن دولة أخرى، فأغلقت التلفاز، وقلت لنفسي: الناس تتحدث عن أشياء مختلفة تماماً، والحل لا يمكن أن يأتي من هؤلاء، لأنهم في الأساس غير متفقين على تسمية طابور المشاكل التي تنوء بها البلاد، فكيف لهم أن يوجدوا لها الحلول؟

أنا لا أنتمي لمن يفكرون بطريقة "طالب بالباطل يأتيك الحق"، لكنني أؤمن بالمثل الشعبي "ما ضاع حق وراءه مطالب".
أؤمن بأن الحق ممكن أن يضيع بزلة أحد ما يسمي نفسه سياسي أو مفاوض لا يعرف الأسس الأبجدية للتفاوض، ولا أنواع المفاوضات، ولا كيفية انتزاع الحقوق بالكلمة والمنطق وأخيراً بالمدفع.

هذا الموضوع الذي تقرأه عزيزي القارئ جاءت فكرته بعد قراءتي لكتاب "مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي لمؤلفه د. حسن محمد وجيه، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة تحت الرقم 190، وتحديداً عن دور اللغة ككلمة وجملة يمكن أن تخلق الحق، ويمكن أن تضيع ألف حق. الذي لا يمتلك الوقت، فعليه قراءة الفصل الثالث الصفحة 51 المعنون بـ "علم اللغويات الاجتماعي والسياسي".

سأعتبر هذا الكتاب قد قرئ من قبل فرق المفاوضات المعينة من قبل الانتقالي الذي سنبقى ننافحه حتى يستقيم أو يموت.
أقول إن لم يقرأه كل المفاوضين السابقين واللاحقين، ولم يستوعبوا تطبيق ما فيه على الأرض، فعند ذاك سنقول إن الجواب على تساؤلاتنا لن يصل حتى الآن إلى الجهات التي حملت الأمانة التي تبرأت منها الجبال.
أتمنى ألّا أثقلت عليكم بلغطي هذا. والوقت كالسيف إن لم تقطعه مزقك شر ممزق. أجارنا الله من التمزيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى