الجنوب والمقايضة الجائرة!

> بلغت الحرب على الجنوب ذروتها، واشتدت الضغوط عليه، أكانت المكشوفة أو المستترة، وتجاوزت كل الحدود والخطوط، وازدادت وحشيتها، باستهدافها لما هو ضروريا للحياة وفي حدها الأدنى.
ودون أي تهويل، ارتقت إلى مستوى يسمح بوصفها بالإبادة الجماعية لشعب كريم ومحب للحياة. وفي أحسن الأحوال تستهدف تحويله إلى متسولين، بينما تزخر أرضهم بالخير والثروات والموارد.

في سبيل الدفاع عما تبقى لهم من حقوق والاعتراض على سياسات عمقت الانهيار وسرعت من وتائر اندفاعة، وفاقمت حدة الأزمات الاجتماعية، خرج الناس، وفي طليعتهم الشباب، في مظاهرات سلمية في أكثر من محافظة جنوبية، وفيها العاصمة عدن. وسوف يعاودون النزول السلمي للشارع تحميهم القوات الجنوبية، ولن يثنيهم عن ممارسة هذا الحق انغماس مخربين، ولصوص، وما تردده الأصوات النشاز.

يدرك الناس من المسؤول عن وصول الأوضاع إلى حالها اليوم، ويعون الأسباب، ويعرفون القوى التي تتبع نهجا معاديا للجنوب، وسياسات لا يمكن وصفها إلا بأنها معادية للجنوب وشعبه.
ويدرك عامة الناس في الجنوب الثمن المطلوب منهم اليوم، والتنازلات المطلوب تقديمها مقابل وعود عرقوبية للنظر بمطالب عامة معيشية وخدمية.

المطروح اليوم على الجنوب وما تستهدف تحقيقه الحروب والضغوط هو مقايضة جائرة ومشينة، أساسها تنازل الجنوب عن قضيته العادلة وتطلعاته المشروعة، وعن حقوقه السياسية الجمعية مقابل النظر بما سمي بقضية الخدمات.
ولا ريب في أن الربط بين استحقاقات شرعية وحقوق قانونية للمواطنين، والتزامات يجب أن تفي بها كل حكومة وكل سلطة بغض النظر عن أن تكون سلطة وطنية أو سلطة احتلال أو خليطا من الأثنين بمطالب سياسية هي باطلة وغير مشروعة.

وهو عمل يتعارض مع عهود ومواثيق دولية، ومع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالوضع في اليمن، ومع أهداف التسوية السياسية الشاملة والسلام المستدام. عدا عن كونه يشكل جريمة بحق شعب.

المثير للاهتمام في التصعيد الراهن للضغوط على الجنوب هو تزامنه مع بدء مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، وتواتر أنباء عن قرب الإعلان عن وقف لإطلاق النار والتهيئة للتوجه للعملية السياسية. فهل تستهدف إرباك الجنوب وقواه، وخلط الأوراق، وتصوير الأمور على غير حقيقتها؟ أم إنها تندرج في إطار زرع العراقيل والمعوقات في طريق الجهود السياسية كما اعتدنا في الماضي؟

وحتى لا يحدث لبس وتشويش، بات من الأهمية بمكان إدراك وتأكيد أن للمشاكل والأزمات الاجتماعية دوافع وأسباب سياسية، كان هذا في الماضي وكذلك الحال اليوم وفي المستقبل، وهو الذي يستدعي أن تكون المطالب واضحة ترفض المقايضة المطروحة، وتدين محاولات تهميش دور الجنوب، وإقصائه عن العملية السياسية والتسوية.

ومن أجل مواجهة التحديات والضغوط القديمة والجديدة، بات من الضرورة بمكان اتباع مواقف إيجابية تجاه موضوع الحوار الجنوبي، مواقف تنتصر للجنوب، ولجهود إحلال السلام.
ومن حق كل الأطراف البحث في كل ما له صله بموضوع الحوار.

مطلوب الالتفاف حول المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يواجه ضغوطا شديدة، وتحديات جسيمة وخيارات دقيقة، ويقود بثقة واقتدار معركة الدفاع عن الجنوب، الالتفاف حول المجلس الانتقالي الذي يشكل مكسبا للجنوب، ويرمز لطبيعة القضية الجنوبية، ويشكل عنوانا لمشروع الجنوب السياسي، ويعد أحد أهم دعائم وحدت الجنوب.

والواجب على الانتقالي وكل هيئاته ومؤسساته العمل على الارتقاء بالأداء، وتصحيح الأخطاء، وتطوير بناءه المؤسسي، والعمل على الخروج الآمن وبأقل قدر من الخسائر من المطبات التي جُر إليها.
لقد بات ضروريا أن تشكل التحركات الشعبية الحالية دافعا ومحركا لاستعادة حضور وفعالية المجتمع، ودور الشعب صاحب الحق الأصيل في قضيته والمالك لقراره، والحق في تقرير مستقبله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى