ما هي مشكلة عدن؟

> إن المشكلة التي يعانيها الانتقالي اليوم هي الأمن في عدن!
في دول العالم يكون الأمن والاستقرار الأمني من مهام المؤسسات الأمنية.

هذا المؤسسات تتكون من قادة وجنود. لكن الفرق بين تلك الدول هو ان الدول المتخلفة منها، مثل بلادنا، لا تراعي النظام الاجتماعي وطبيعته، والتركيبة السكانية ونفسيتها في منطقة أو محافظة في المجتمع، فتخلط الحابل بالنابل.
الانتقالي، وقد نبهنا في أكثر من موضوع، لا يعتمد في تثبيت الأمن على الكفاءات من أهل هذه المنطقة أو تلك، بل يعتمد على أهل الثقة من المقربين منه ومن قادته، غير عابئين بالمكونات الاجتماعية خصوصا في المدن!

بعد الاستقلال مباشرة، وعت القيادة السياسية هذه المسألة، وأخذت بمبدأ الاستقطاب العسكري من كافة المحافظات، وتعيين قادة وجنودا أغلبهم من أبناء المنطقة نفسها، وهنا أتحدث عن رجال الأمن والشرطة، وليس عن الجيش!
في نهاية السبعينيات، كان قرار التجنيد العسكري الإلزامي، وكنت مع مجموعة كبيرة من زملائي من أبناء عدن، من الذين درسنا وتزاملنا منذ الصغر في نفس المدرسة، كنا في نفس الوحدة العسكرية الأمنية.

كان الضباط في الأمن أغلبهم من عدن، والجنود كذلك. وكنا نعرف نفسية المواطنين وكيف يفكر وماذا يقول وكيف يكذب، كنا نعرف طرق عدن وحوافيها وزغاطيطها، دارا دارا زنقة زنقة، كما قال القذافي.
كنا نعرف المجرمين وأصحاب السوابق بالمدينة، وكان لدينا بصاصون (مناصرون للشرطة) يساعدوننا على تدارك أي فعل جنائي قبل حدوثه.

كان المواطنون يعرفوننا تماما، ومن نحن، ومن هم آباؤنا، وكانوا يحترموننا كثيرا، ويخضعون، لأي سبب كان، لتفتيش منازلهم، دون أن يسألوننا لماذا، لأنهم يثقون فينا.
كنا نعرف مداخل المدينة ومخارجها وجبالها وكهوفها؛ لأننا قد تسلقناها في صغرنا، ولا توجد مساحة صغيرة إلا وقد لعبنا فيها أو زرناها في صبانا، مثل الدروب الطويلة على جبال شمسان، والقلاع الأثرية القديمة على قمم تلك الجبال!

اليوم، الانتقالي يُخطئ عندما يعين رجال أمن من غير أبناء المدينة نفسها، ليس بالضرورة أنهم كانوا من "المثلث"، بل حتى لو كانوا من مدينة المكلا المدنية، لن يستطيعوا القيام بحفظ الأمن مثل أبناء المدينة نفسها.

هنا تكمن العقدة، من وجهة نظر متواضعة، في أن أبناء المدينة، أي مدينة كانت، لا يتقبلون رجال أمن من منطقة أخرى، خصوصا من قرى المحافظات الأخرى القريبة من عدن. فهم ينظرون إلى أن هناك فوارق وعقيدة اجتماعية تختلف من منطقة إلى أخرى. وهم هنا يضربون المثل بقوات الأمن المركزي التابعة لعفاش حينها، عندما كانت تسيطر على عدن وتنكل بأبنائها وتقتلهم، مع أن الفرق واضح وكبير بين قوات عفاش وبين الانتقالي، إلا أن النظرة في الفوارق الاجتماعية والعوامل النفسية تبقى واحدة، وهي أنه، كيف لابن القرية أن "يربّي" ابن المدينة ويعلمه النظام والمدينة ليست منطقته أو أرضه.

لهذا، كل دول العالم التي اتخذت النظام الفيدرالي (الاتحادي) تعين قادة الأمن والجنود من أبناء المنطقة نفسها، لأن المفهوم القانوني والدستوري لمعنى الأمن هو أنه مؤسسة مدنية وليست عسكرية، وبالتالي، فإن من يحمي أمن تلك المحافظة أو الولاية هم أبناؤها، ولا أحد غيرهم، حتى القضاة يُختارون من المنطقة نفسها، لأن لكل منطقة وولاية عاداتها وتقاليدها الاجتماعية والأسرية والتي تؤثر على سير القضايا المدنية منها أو حتى الجنائية.

على الانتقالي أن يتدارك هذا التصرف كيفما أمكن، والاعتراف بحقوق أبناء كل منطقة وحريتهم في اختيار رجال أمنهم وقادتهم الأمنيين، ولن يجدي الانتقالي نفعا إذا ما استمر على نفس التوجه، بل سيزيد الطين بلة، وستتسع الهوة بين قيادة الانتقالي وقاعدته الشعبية التي لا تزال عريضة، والخوف من أن تنكمش بسبب هذه المشكلة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى