​26 سبتمبر الثورة والجمهورية

> نحتفل بالذكرى 59 لثورة سبتمبر الخالدة، الثورة التي حررت شعب اليمن من ظلم واستبداد حكم إمامي كهنوتي فردي متخلف، تربع على عرش السلطة بمبدأ الاصطفاء الإلهي. سلطة تقوم على أساس الفرز السلالي للبشر، وتفسير خاطئ لنصوص المقدس، وحق آل البيت. ذاق اليمنيون ويلات هذا الحكم العنصري السلالي، بكل صوره وأشكاله، وهو ما عزّز لديهم أهمية التخلص من أي حكم ونظام من نمطه.

ثورة حطمت حاجز الخوف، وتحرر الشعب من الخنوع والاستسلام للعنف وخزعبلات "أحمد يا جناه"، وعززت المشهد الثوري في الجزيرة العربية، ودعمت تحرير الجنوب من الاستعمار والسلاطين، كان نجاحها له امتداده في تحرير شعوب المنطقة  من جور الأنظمة الفردية الأسرية الكهنوتية.
ثورة قامت من أجل نقل الشعب لنظام جمهوري، بإطاره الديمقراطي المدني التعدّدي، أرقى أنظمة الحكم التي توصلت إليها البشرية على امتداد تاريخها السياسي. من أهم مبادئ النظام الجمهوري هو حكم الشعب نفسه بنفسه، نتيجة لخلاصة الصراعات السياسية والحروب والاقتتال التي شهدتها البشرية على مدى تاريخها، تلك الحروب التي كانت نتاجا لسلطة الفرد الواحد وديكتاتوريته.

يبقى السؤال المهم: هل فعلا ترسخت الجمهورية كنظام سياسي؟ وهل تحقق المبدأ وأحدث نقلة نوعية نهضوية؟ إذن لماذا عادت الصراعات والحروب لليمن بعد سنوات قليلة من إعلان الجمهورية، أكانت في الشمال 1962م أم في الجنوب 1967م ؟
الجواب نجده في واقعنا اليوم، الذي يعبر عن فشل حقيقي ليس في نظام الجمهورية، بل في المرحلة الانتقالية وقاداتها من النخب السياسية، التي فشلت في حماية الجمهورية وصونها من التدخلات الخارجية التي أربكت مسار التحول، وارتمت في أحضان التآمر، من خلال الارتهان للتبعية للخارج، أكان إيديولوجيا، أم  تحالفا نفعيا مصلحيا، مما ساهم في تشكيل أنظمة جمهورية خالية من حكم الشعب، لحكم أفراد وإيديولوجيات، استحكمت على السلطة، وألغت الشعب من مصدر القرار والاختيار، والنتيجة: عادت الصراعات على السلطة ببشاعة، حيث الصراعات الايدلوجية والفئوية، ونفوذ المال، والنفوذ القبلي والسلالي والمناطقي والطائفي، إلى ما وصلنا إليه اليوم، حيث يستحكم على سلطات الأمر الواقع، نفوذ  أشبال الإمامة  وأشبال السلاطين، المنتقمين من الجمهورية والثورة، بدعم أنظمة ملكية محاربة النظام الجمهوري معركتها المصيرية.

يقول أينشتاين: "لا يمكننا حل مشاكلنا بنفس التفكير الذي اعتمد عندما خلقنا تلك المشاكل". ينطبق هذا القول بدقة على ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
إذ يرفض العقل اليمني الذي ساهم في خلق معوقات ترسيخ مبدأ الجمهورية، وحكم الشعب، مراجعة الذات وتحمل المسؤولية التاريخية، والاعتراف بالأخطاء، للوصول لمعالجات جادة، ويفضل تصدير المسؤولية على ظهر الآخر، مما توه الشعب عن معركته الحقيقية، في الدفاع عن إرادته في صياغة القرار والاختيار، لمعارك جانبية تافهة، تزيد من حجم الصراعات والشتات والشروخ، مما جعل الشعب مجرد جماعات تابعة، وأدوات صراع بيد النافذين والسياسيين والأصنام الديكتاتورية، والشعارات البراقة.

الأحزاب التي يفترض بها أن تكون أدوات تنمية سياسية، تحولت لمجرد أوعية للتحالفات العصبية، وفشلت في تقديم أفكار تدعم الجمهورية، وتحقق مبدأ حكم الشعب، بل تحولت لمجرد كتل تغذي الصراع ضد الآخر، وتبحث عن سلطة، وتنافس من أجل الوظيفة والثروة، اليوم مشاكلنا مع تلك التكتلات المثخنة الأفكار العقيمة، والكراهية ضد الآخر، العاجزة عن أن تصنع جسور الثقة مع للأخر، وتحدث روابط التواصل من أجل وطن يستوعب الجميع كشركاء، بل هي أساس المشكلة في اتهام الآخر والازدراء منه، أحزاب غارقة في وحل الماضي البائس، غير قادرة على تشق طريق مستقبل أفضل، وتحول ينشده الناس.

أحزاب تجاوزتها المرحلة، لتفتح أبواب للتحالفات الفئوية والطائفية والمناطقية، التي تدير المشهد اليوم، ومُزقت الأحزاب لكتل فيما بينها، ومَزقت وطنا، ارتهنت لأجندات خارجية إقليمية دولية، وتحولت أدوات في معركة ضد الجمهورية والثورة والوحدة، فلا غرابة أن نختلف في الاحتفال بالثورة أو الجمهورية والوحدة. شعب منقسم على ذاته، وأحزاب هياكل فارغة من المعنى والمحتوى، و قوى وطنية تتعرض لهجمات شرسة،  ووطن على شفا هاوية من الانهيار التام.

يبقى الأمل في صحوة وطنية، وأحزاب تعيد ترتيب أوراقها، وتلملم شتاتها، وتحدد معركتها المصيرية، وهي معركة استعادة الجمهورية ضد كل المشاريع الصغيرة الطائفية مناطقية فئوية، لنعيد للثورة روحها والجمهورية وهجها، ليحكم الشعب نفسه بنفسه بديمقراطية حقيقية وتبادل سلمي للسلطة، بإرادة قوية وسيادة أكثر قوة، والله على ما أقول شهيد.

"مونيتور"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى