كريتر.. شوارع الخوف والرصاص

> لسنا وحدنا من يسلك طريق الحوار الذي تترجمه جنازير الدبابات، كل الطغاة في الحكم سبقوا نحو هذا الطريق، ولسنا نبني طريقاً مخالفاً لغيرنا ممن يتدثرون بالعجز في توحيد الصف الوطني أو إيجاد خيار وطني حقيقي صادق الكلمة ونقي السريرة، هذه حالة طبيعية في دول العالم الثالث أو بلاد القلاقل والانقلابات والحروب، نحن أحد هذه البلدان التي تضربها الأمية ومعظم الشعب جاهل وفقير، وما زلنا نبحث عن الماء النظيف والتعليم الواسع في وجه تشغيل وتجنيد الأطفال مثلما حدث ويحدث في بلدان أفريقية أو في جاميكا والدمنيكان وبورتريكو، لا فرق بيننا وبين هذه المجتمعات وبين قياداتهم القبلية المناطقية وبين قياداتنا وما بها من تشابه وتقارب كثير وأكثر.

عدن كلها في محنة كبيرة ولم يعد ينفع من انتزاع الخوف والموت والاشتباكات لا قيادة مدنية ولا عسكرية من أي فصيل كان، لأنهم قد تشققوا وتناثروا شرعية وانتقالياً وحراكاً ومسلحين ومنشقين ودبابات، كلاً له عدة وقوة وله عدة فرق وشيع وجماعات، وبدلاً من حوار الخصوم أتى زمن الأعداء بتشجيع غليظ شديد من طرفي تحالف السعودية والإمارات، الكل يحشد ويزود ويمول رجاله من المدنيين وشباب القبائل والتابعين بما يكفي من ترسانة وحماية، حين يتمرد أو يقتل أو يشعل النار في كريتر أو الشيخ عثمان أو المنصورة، وليس هذا فحسب، إذ أصبحت المتارس والخنادق والمدافع تحت منازلنا ونحن من نسقط صريعين من كثرة هذه الفيالق المدججة هرباً من خلق الحوار الوطني الذي يعبر عن اختيار وطني ملهم عجزوا عن إنجاحه، وعجزوا عن فتح مسارات اللقاءات ما بينهم، وتواروا خلف المناصفة التي أصبحت مثل عصب القدم الذي يجرجر صاحبه بدون رضاه أو برضاه حيناً، أنا لا أتحدث عمّا يحدث في داخل المجلس السياسي الجنوبي الانتقالي وحده، الكل هنا يعني الشرعية المتدهورة والمصابة بالجذام السياسي، وفرق الحراك والمقاومة وكل تفريخاتها صفاً إلى هذا، أو خروجاً عن ذاك. فالمأزق الذي وقعنا فيه أو غطسنا به أننا فشلنا في داخلنا، وظهرت حالات الانشقاق والاختراق، ولا أصدق أن يأتي أحدهم ليخبرني بأننا متماسكون، وأننا جبهة تبحر نحو الغد المشرق، هذا هراء لا أحبذ أن أسمعه لأنني صاحب خبرة وتجربة سياسية، ومعظم الوجوه عاصرتها وأحفظ تنقلها وقفزاتها، ومن ينظر إلى أبعد مما هو متاح هناك من يفكر مثله تماماً في ما هو متاح وممكن أن يناله بالاختراق أو التغلغل أو البريق والإغراء بالمناصب العسكرية أو المالية والاحتضان الدافئ والحنون وحنين القروش كله متاح.

ما عاشته وستعيشه كريتر وغيرها وليس نهاية الأمر هذا التكرار المأساوي لحرب الشوارع البائس وتدفق السلاح عبر بوابات دول تتواجد هنا، لم يعد يخدم السلام في بلادنا كلها، بل يتخمها ويزيد الجوع والأنين. كل هذه القوات التي تتمدد من عدن إلى حضرموت والمهرة، بتنوعها الشمالي والبريطاني والأمريكي والسعودي والإماراتي وغيرها، تزيد من ظهور فياليق تنشق وتتمرد، وتزيد من احتقان الأوضاع وتبرم السكان في هذه المحافظات وبروز زعامات جاهزة للتمرد تنبتها هذه القوات وتزودها بما تريد في ظل صمت أو ورضا أو تحت دعاوي القرارات الدولية. وقال المثل المناسب لما حدث (من شل حق باعطوه يغني، له قدر صوتين).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى