أيام الجوع

> أنفقنا من أيام عدن شهوراً وسنين في زمن الحرب عندما أشفقنا على أهلنا في الشمال، حتى ربت الغلاء على أكتافنا ثم شدَّ علينا وثاقه بصورة لم تخطر على بال.

يشهد التاريخ أن منذ أن كانت عدن قرية على البحر فيها المرسى وتقع على خليج، لم يذق أهلها مرارة الجوع، حتى في الزمن الذي كان يبيع فيه بعض الناس الماء والحطب والعلف على سفح المدينة ويتنقلون على عربة الخيل ويحملون أشياءهم فوق جاري الجمل كوسيلة مواصلات آنذاك، وما عرف الناس الفقر ولا ذاقوا الفاقة.

كانت المدينة عصيّة على شيءٍ اسمه الجوع، لم يقاربها العوز وما اضطر أهلها للوقوف عند أبواب المنظمات حتى شُبِكنا مع الشمال الذي قيل عنه الرأسمالي، وارتبطنا بمؤسساته التجارية التي تلهث خلف الأرباح.
صباح الخير يا مجمّع الدوكيارد، منذ السحر وهو يموج بالحركة في مدينة المعلا كأنه خلية نحل، كل مواطن في هذه المدينة صغر أو كبر فغذاؤه السمك.

وقفت ذات صباح طرف المجمع وقوارب الصيد واقفة في استراحة بعد رحلة اصطياد، وكل الذين جاؤوا لشراء السمك من "الحراج" انفضّوا عند الفجر إلى أماكن البيع.
هي عدن يهب بحرها رزقاً للعالمين لولا أنها تعيش في زمن اللادولة بسبب حروب الشمال وضوضاء الفساد.

الناس في الجنوب صبروا طويلاً على سوء الأوضاع وتحمّلوا وانتظروا حتى غصت حلوقهم بهذا السؤال: إلى متى؟ وكأن لسان حالهم قول الناظم:

وعلاج ما لا تشتهيه
النفس تعجيل الفراق

أنْ يصل الغلاء في عدن التي حباها الله بالموقع وأغناها بالبحر إلى ذروته وجاوز حدّه، فهذا مالم يدر بالخيال.
إن كارثة الحرب الاقتصادية التي جاءت من نصيب الجنوب وروعت الأهالي، واضطرت الناس إلى السؤال على قارعة الطريق تمثّل نقطة سوداء في صفحة تاريخ الحكم في اليمن، حتى تعلم الدنيا كيف كان يُحكَم الجنوب من قِبَل أهله، أما آن لهذه السحابة السوداء أن تنقشع وليلها أن ينجلي؟

لمن يهمه الأمر، من يكسر ساطور الغلاء المسلط على الرقاب؟
أهذه عدن التي يسرح فيها الغلاء ويمرح وكانت سوق العرب والثغر المحروس والعربية السعيدة ومخزن اليمن والعرب الذي لا ينفذ؟

أهذا الجنوب الأصيل الذي فتح ذراعيه وأفسح مجلسه للنازحين والوافدين الهاربين من جحيم الحرب، آوى ووافى وصار ملجأً للحيارى ومن تقطعت بهم السبل واحتضن الجميع ثم هو يسعد به قومٌ ويشقى ناسه وينتفع به ملأ ويُحرم أهله.

وأسعدتَ الكثير وأنت تشقى

وأضحكتَ الأنامَ وأنت تبكي

أيها السادة، أين الدقيق؟ أين الأرز؟ أين الزيت؟ أين السُّكر؟ أين حليب الأطفال؟
كم يتذكر الناس في أيام الجوع هذه حُقبة الدينار وزمن الرُّبيّة، فهل من مُدّكِر؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى