بقعة ضوء

> ربما لا يدرك أولائك المنفصلون عن الواقع الوضع السوداوي الذي يعيشه الناس في عدن على وجه الخصوص، والجنوب عامة، ربما لا يدركون حجم معاناة السواد الأعظم من الناس في مختلف مناحي الحياة، وفي مقدمتها المعيشية والصحية.

فعلى المستوى المعيشي أصبحت كثيرًا من ضرورات الحياة، أصبحت كماليات، في هذا الوضع البائس، اللحم والسمك والدجاج وحتى علب التونة أصبحت من الكماليات، والفواكه بكل أنواعها لم تعد في متناول الناس في ظل حكومة مستعمرة معاشيق التي صنعت تضخمًا التهم ٨٠ % من القدرة الشرائية للأجور التي لم يدفع بعضها لما يقارب العام.

وسط هذه المعاناة، متعددة الأوجه، ساقتني قدماي إلى موقع يمكن وصفه (ببقعة الضوء) وسط الظلام، ذلكم هو المجمع الصحي بمنطقة الفتح في التواهي عندما طلب الشاب (م. مازن) من الشابة (د. رندى) أخذ عينة من الدم، أظهرت هذه العينة وجود التهاب فاستكملت (د. هويدا) الفحص بوسائلها كطبيبة شخصت من خلالها الحالة، ووصفت الدواء اللازم الذي تم صرفه لي من صيدلية المجمع وقامت المختصة (سبأ) بحقني بأول جرعة علاج بالحقن، كل ذلك دون أن أدفع ريالًا واحدًا سوى المائة ريال مساهمة المجتمع.

قد تمر، عزيزي القارئ، مرور الكرام على ما وصفته لك، لكن عندما تعلم أن كل ذلك تم خلال أقل من ساعة، وأن مقدار التفاني من شباب وشابات المجمع من الطبيبة إلى أصغر فني دون تأفف، يجعلك تتعجب من أن هناك من يحرص على خدمتك دون أن ينتظر منك حتى كلمة (شكرًا)، وتدرك أن خلف هذا التفاني إدارة كفؤة لم أحظى بشرف مقابلتهم، فكل عمل دقيق ومنظم خلفه هامات دقيقة ومنظمة تدرك أهمية خدمتها للمجتمع.

فضول الكاتب الصحفي جعلني أبحث عن سر هذا التميز والخدمة والأدوية المجانية التي يتم تقديمها للناس، خصوصًا ونحن في زمن (معك قرش تسوى قرش)، فعرفت أن المنظمة البولندية لدعم الصحة Caritas poland هي الجهة الداعمة لمجمع الفتح من خلال المنظمة المنفذة Polish humanitarian Action
وهو دعم يستحق الشكر؛ لأنه دعم يصل إلى مستحقيه بشكل مباشر، ولا نملك إلا أن نرفع لهاتين المنظمتين القبعات احترامًا، ومن خلالهما إلى دافع الضرائب البولندي والسلطات البولندية.

إلى حكومتنا الموقرة التي يستحق كل وزير فيها لقب (فاشل ومبهرر)، ونخص بالذكر وزارات الصحة، والشؤون الاجتماعية، وربما التعاون الدولي، لا نجزم أن مجمع الفتح الصحي هو المكان الوحيد المشرق، فربما هناك مواقع أخرى جديرة بالثناء، لذلك ندعوكم إلى تكريم هؤلاء الشباب الذين يتفانون في خدمة الناس، وتكريم الإدارات التي تتصف بالشعور بالمسؤولية، وتكريم المنظمات المحلية والدولية التي تقدم خدمات مباشرة يلمسها المواطن، كرموا هذه الشموع التي تضئ جوانب في حياتنا التي لا يحسدنا عليها أحد، فقط قولوا لهم شكرًا لا أكثر، فمثل هؤلاء يستحقون أن نطبع قبلة على جباههم عند كل صباح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى