حراك سياسي يشهده الخليج

> مسقط "الأيام" العرب

> ​تشهد منطقة الخليج حراكا دبلوماسيا كبيرا هذه الأيام، سواء ما تعلق منه بالعلاقات بين دول المنطقة، أو ما اتصل بعلاقاتها الخارجية. وخرجت المنطقة من حالة الترقب التي عاشتها في السنوات الماضية بسبب خلافات داخل مجلس التعاون الخليجي، وكذلك في ظل الغموض الذي طبع علاقاتها مع الولايات المتحدة، ما قادها إلى بناء علاقات أكثر توسعا مع دول أخرى ذات أهمية.

وبعد أيام قليلة من جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ثلاث دول خليجية، والتي كشفت عن أهمية المنطقة الاستراتجية دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا بالنسبة إلى باريس، تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة بحثا عن اتفاقيات استثمارية كبرى، وهي زيارة تؤكد أهمية الخليج بالنسبة إلى تركيا كملاذ جدي للخروج من وضعها الصعب، وهو ما عكسته قبل ذلك نتيجة الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة وإعلانه عن إنشاء صندوق استثمار بقيمة عشرة مليارات دولار.

وفي هذا الإطار أيضا تأتي زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى إيران، التي تتنزل ضمن استراتيجية “تصفير المشاكل” التي تعتمدها الإمارات وتبحث من خلالها إيران عن استثمار علاقاتها مع أبوظبي في تخفيف الضغوط الدولية عنها وتبديد مخاوف الخليجيين تجاه ملفها النووي وسياساتها الإقليمية.

ويقول متابعون للشأن الخليجي إن زيارة الشيخ طحنون تظهر عزم الإمارات على تجسيد اسراتيجيتها تصفير المشاكل لتطال الدول التي كانت العلاقة معها مثيرة للشكوك مثل تركيا أو بنيت على عداء ظاهر بسبب تناقض الأجندات الإقليمية، مشيرين إلى أن أبوظبي تسعى لتأكيد أن المشاكل الإقليمية لا تستعصي على الحل، وأن أي خلاف يمكن أن يفتح أمامه باب الحل إذا توفرت الشجاعة الدبلوماسية والرغبة في ذلك.

وأضاف المتابعون أن ذهاب الشيخ طحنون إلى طهران لن يترك أمام إيران فرصة للاتكاء على المخاوف لأجل التهرب من البحث عن حل إقليمي لأزماتها مع دول الجوار بالحوار، وأنه لا داعي إلى وساطات من جهات بعيدة عن المنطقة، فالأمر مرتهن بالخطوة الأولى، وها قد خطتْها الإمارات.

وقال محللون إن طهران لا تستطيع تحمل خسارة دبي كمنفذ تجاري، خاصة وأن العقوبات الأميركية خفضت صادراتها النفطية بشكل كبير وزادت من تعقيد مشاركتها في التجارة الدولية.

وفي الشهر الماضي قال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات “نتوجه نحو تعزيز الجسور وتصفير المشاكل… والانفتاح على جيراننا… ومنهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك في إطار سياسة الانفتاح والبناء على المشتركات وإدارة الاختلافات”.

وقبل لقائه بالرئيس رئيسي بحث الشيخ طحنون تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية مع الأمين العام للمجلس الوطني للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.

ونقل التلفزيون الإيراني عن شمخاني قوله “لا يمكن أن يتحقق الاستقرار والأمن إلا من خلال الحوار المستمر والتعاون بين دول المنطقة”.

وأضاف أن “تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية هو مِن الأولويات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية”.

وتابع شمخاني “الجهود المشتركة ضرورية لإنهاء بعض الأزمات العسكرية والأمنية في المنطقة… ويجب أن يحل الحوار محل النهج العسكري في حل النزاعات”.

ويعتقد مراقبون أن المبادرة الإماراتية ستعبّد الطريق أمام خطوات أكثر فاعلية بين إيران ومحيطها الخليجي، وخاصة مع السعودية، وألّا يقف الأمر عند لقاءات روتينية بين مسؤولين من الدرجة الثالثة لتدارس نقاط الخلاف كما حصل خلال اللقاءات السعودية – الإيرانية في العراق.

وضمن الحراك الذي يشهده الخليج يقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولة خليجية بدأها بمسقط مساء الاثنين لتشمل بقية دول الخليج، أياما قبل القمة الخليجية المرتقبة في السعودية.

وقالت أوساط خليجية إن جولة الأمير محمد بن سلمان تهدف إلى إظهار الدور المركزي السعودي في بناء سياسات خليجية جامعة تستمد روحها من قمة المصالحة في السنة الماضية، وهي القمة التي أسست لعودة الدفء إلى العلاقات الخليجية – الخليجية، كما خففت من الاحتقان بين دول مجلس التعاون بشأن التحالفات الخارجية.

وستكون زيارة ولي العهد السعودي إلى الدوحة أول زيارة له إلى قطر منذ أزمة 2017 التي قادت إلى مقاطعة رباعية للدوحة قبل أن يتم تجاوز ذلك في قمة العلا.

وراجت تساؤلات بشأن تزامن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى قطر مع زيارة أردوغان إلى البلد ذاته، وهل أن هذه المناسبة قد توفر فرصة للقاء بينهما؟ لكن مصادر سعودية نفت وجود فكرة اللقاء، فيما قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن تزامن الزيارتين مجرد مصادفة.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن السعودية تقود مسارا خليجيا يقوم على تدعيم عناصر التوافق وتوسيعها على قاعدة أكثر صلابة، وهي العلاقات الاقتصادية مثل ما يجري حاليا مع سلطنة عمان، من أجل بناء مجلس تعاون خليجي على قاعدة جديدة هي قاعدة المصالح التي ستجد دعما من الزعماء والقادة كما من الشعوب لأنها ستعود عليه بالفائدة.

ويرى محمد مبارك العريمي، الكاتب ورئيس جمعية الصحافيين العمانية، أن هناك قرارا لدى جميع قادة دول التعاون يهدف إلى تنسيق أمني واقتصادي وسياسي أكبر، مشيرا إلى أن بلاده لديها توجه نحو إيجاد شراكات اقتصادية بين دول المجلس.

وأضاف العريمي في تصريح لـ”العرب” أن الزيارة التي قام بها السلطان هيثم بن طارق لكل من السعودية وقطر تدلّ على أن هناك اقتناعا بوجوب الاستثمار البيني لأن العامل الاقتصادي مهم جدا وله دور في استقرار العلاقات السياسية.

وقال إن هناك منظومات إقليمية تتشكل من جديد لاسيما في مجلس التعاون؛ ذلك أن التفاهمات ربما تكون أكبر في ظل الجيل الجديد من القادة ومن وزراء الخارجية، وأن النقطة المهمة في المرحلة القادمة هي إعادة مجلس التعاون إلى مربعه السابق الذي كانت فيه تفاهمات أكثر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى