ليت السياسة تحقق ما تحققه الكرة

> كنت على اعتقاد بأن الرياضة لها تأثير كبير على الشعوب، وعلى وجه الخصوص، رياضة كرة القدم، تلك المستديرة الساحرة التي تلهب حماس الجماهير، وتخطف عقولهم، وتوحد صفوف جماهير عريضة ضد أخرى، وربما الذي لم تنجح السياسة في تحقيقه خلال عقود من السنين تحققه المتدحرجة على العشب الأخضر في لحظة اقتناصها للمرمى، لقد رأيت عبر القنوات الفضائية، أثناء مشاركة فرق عربية، في نهائي كأس العالم، كيف أن جماهير الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تلتحم فرحتهم في وقت واحد، فترتفع أصواتهم فرحًا أو جزعًا مع حركة المستديرة واتجاهها نحو المرمى، كما تنقل لنا عدسات الكاميرات نقلًا مباشرًا للحظات التي تتشابك فيها الأيادي عناقًا أو تصفيقًا في الإمارات والمغرب والعراق والسودان وبقية دول العالم العربي، لهدف حققه منتخب مصر أو الكويت، أو الجزائر أو السعودية، فيا له من فرح حقيقي يعبر بصدق عما في أعماق النفوس من نقاء تجاوزت معه جميع ما أفرزته السياسة من رواسب وأوجاع طويلة، فأثناء سير مباراة كرة القدم، ترسم أقدام الفريق العربي لوحة جميلة لشعوب جمعتهم روابط عديدة، وفرقتهم سياسات عقيمة، إنها المستديرة لا تتقيد باتجاه معين؛ بل تلتف على جميع الزوايا فتترك زاوية الخلافات خارج نطاقها، وتدع زاوية المشاحنات بعيدة عن مسارها، وتتجاوز جميع الحدود بضربتها المباشرة أو المرتدة، لذا تجتمع الشعوب العربية حول محيطها بقلوب صافية ومتآلفة.

لقد توج المنتخب اليمني للناشئين بطلًا في المباراة الختامية لبطولة غرب آسيا بعد فوزه بالضربات الترجيحية أمام منتخب السعودية، وحمل أشبالنا الذين كانوا وقت بدء الحرب براعم أحاطت بهم نيران الحرب ومآسيها، لكن تلك البراعم تفتحت وأصبحت زهورًا وسط رماد الحرب، وشكلت منتخب الناشئين الوطني، كم هي رائعة تلك الزهور التي استطاعت أن تنتزع ولأول مرة في تاريخ بلادنا بطولة الناشئين لغرب آسيا، وتمكنت من نشر البهجة والفرح في ربوع اليمن، وأن تزرع البسمة في أفواه الصغار والكبار، وتصنع عيدًا لم تشهده البلاد منذ أعوام كثيرة.

حين سبق حارس مرمى فريقنا البطل وضاح الداعري، صفارة الحكم بإعلانه الفوز، انطلقت أبواق السيارات في محافظة عدن وبقية المحافظات، وخرج الناس إلى الشوارع بتلقائية، للتعبير عن السعادة التي اختفت عن قلوبهم لسنوات، فوجدت الفرصة السانحة لتخفيف أحمالها من الأحزان والهموم، فتهتف بالنصر والفرح.

عند مشاهدتي للأفراح بالهتافات وأطلاق النيران في الهواء وانطلاق مواكب السيارات وصوت أبواقها يعلن عن عرس الأعراس، حينها اتصلت بابني ناصر الذي ذهب إلى صنعاء من أكثر من أسبوع مرافق لصديقه المريض، وسألته هل الفرح كبير في صنعاء؟ أجابني نعم الكل فرحان وحشود في الشوارع والطرقات، فقلت في نفسي سبحان الله، الكرة جمعت الشعب وآنسته ولو لساعات مصائب السياسة والحرب، وقلت في نفسي أيضًا لو كان السياسي في بلادي لا يحصر نفسه بزاوية محددة، فينفتح مثل المستديرة، لكانت البلاد كلها عشب أخضر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى