أقدام اللاعبين الشباب أفضل من عقول الساسة

> استطاع أحد عشر كوكباً من فتية صغار يحترفون اللعب بأقدامهم أن يوحدوا البلاد جنوبها والشمال شرقها والغرب في لحظة فارقة من الزمن حين أدخلوا الفرحة -الغائبة أصلاً- في قلوب ثلاثين مليون إنسان وربما أكثر في الداخل والخارج، البسطاء الفقراء على كثرتهم الساحقة والأغنياء الأثرياء على قلتهم، ليتفاعلوا جميعاً مع ما صنعته أقدامهم على البساط الأخضر من نصر كروي طال انتظاره في زمن الهزائم والانكسارات، زمن السبع السنوات العجاف من الحرب المتصلة، السبع التي هي حقيقة مريرة وليست أضغاث أحلام، بل هي كالسبع البقرات العجاف يأكلن أخضر ويابس هذه الأرض ويأكلن اللحم من على عظام أهل هذه الأرض و لم تبق إلا ما يسد الأرماق.

هذا الحدث الكروي دلالات عمقه في ذلك التفاعل الروحي والوجداني الجمعي غير المسبوق، فلم تكد صفارة الحكم اللبناني تعلن انتهاء المباراة القمة بين منتخبنا للشباب والمنتخب السعودي الشقيق حتى خرجت الجماهير في كل مكان على هذه الأرض وكأنها قد خططت لذلك مسبقا، والتخطيط لم يكن في ذهنها أصلا، وفي فرحة عارمة هي تسونامي حقيقي من الأصوات والهتافات والأناشيد و الأغاني والدموع أيضاً والألعاب النارية والرصاص - للأسف الشديد.

ربما لا يعرف شبابنا ولا يتذكر الكثير منا أن الجماهير العربية خرجت ذات يوم بطريقة هكذا وفي توقيت عفوي محكم في كل مصر والبلاد العربية من طنجة إلى المنامة ومن حلب إلى عدن لثني الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر عن استقالته عقب هزيمة حزيران - يونيو 1967م المريرة.
لم تخرج هذا الموج الهادر الاستخبارات ولا سواها كما يروج أعداء الأمة العربية، ولن تستطيع أي استخبارات في العالم أن تفعل ذلك حتى ولو امتلكت قدرة يأجوج ومأجوج.

لقد عجزت النخب السياسية في الحكم وخارجة أن تحقق شيئا مفرحا لشعب ووطن منذ بدأت المأساة قبل سبع من السنين، وأصبحت هذه النخب جزء من المشكلة لا الحل. لم ترتق بخطابها إلى حالة وطنية تجترح فعل ايقاف نزيف الدم أو ما هو أسوأ من الحرب، الحالة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية التي باتت تهدد شعباً بأكمله، بعد أن وصلنا إلى حافة الهاوية والمجاعة التي تسير بيننا الآن دون مواربة.

إن توجيهاً مثل هكذا خطاب إلى الحاكمين ومن في صفهم أشبه بـ (الطعن في الميت - والطعن فيه حرام)، فهؤلاء قد اتخموا في الحياة حتى الموت وتوقف النبض في صدورهم إنسانياً وحسياً، وليس بالضرورة فيزيائياً، ليشعروا بقساوة ومرارة ما يتجرعه المواطنون يومياً.
إن الذين خرجوا بتلقائية فرحين بالنصر الذي حققه منتخبنا الوطني للشباب، ممن اكتظت بهم شوارع وأحياء وحارات وأزقة وساحات وميادين المدن والقرى في البلاد جميعها، قادرون على الخروج للانعتاق من وضعهم البائس والكارثي ولن تستطيع قوة داخلية أو خارجية منعهم من فعل ذلك.
هنئيا لأصحاب البشرة السمراء من شبابنا الأبطال هذا النصر الأول وعلى طريق الانتصارات القادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى