اليمن 2022 من يحسم "أم المعارك" بين الشرعية والحوثيين؟

> مراد العريفي

> منذ عام ونصف، يقاتل الحوثيون بشراسة للسيطرة على محافظة مأرب (شرق العاصمة صنعاء)، وسبتمبر الماضي صعّدوا هجومهم وحققوا اختراقًا من الجبهة الجنوبية؛ ليطوّقوا باب المدينة من جهات ثلاث. وقبيل نهاية عام 2021، فُتحت جبهة جديدة بمحافظة شبوة (جنوبي اليمن).
وفي حين يدفع الحوثيون بآلاف المسلحين، تُحصّن القوات الحكومية المسنودة برجال القبائل ومقاتلات التحالف السعودي الإماراتي دفاعاتها بعملية محكمة، ليتحول محيط المدينة إلى نقطة قتال يومي لا يتوقف في المعركة التي باتت بمنزلة "أم المعارك" مع دخول اليمن عام 2022.
وأصبحت للحرب آثار مدمرة؛ إذ تهدد نحو 3 ملايين يمني يسكنون المدينة، منهم 2.5 مليون من النازحين - الذين يستعدون للنزوح للمرة الثانية وبعضهم للمرة الثالثة - مع اقتراب الحوثيين أكثر، وفي ظل تصاعد القصف بالصواريخ على المدينة ومخيمات النزوح.

ما الذي ساعد الحوثيين في التقدم نحو مدينة مأرب؟
بدت حقول النفط والغاز في مأرب غنيمة سهلة المنال للحوثيين، ليستغلوا توقف المعارك على خطوط القتال في اليمن والحدود السعودية، ويركزوا هجومهم نحو المدينة.

يقول الباحث علي السكني - وهو أحد سكان المدينة - إن توقف القتال في كل الجبهات، وتكتيك "الأمواج البشرية" الذي اعتمدت عليه إيران في حربها مع العراق - حيث يهاجم آلاف المقاتلين مدعومين بكثافة نيران كبيرة وهجمات الصواريخ باليستية وطائرات دون طيار هدفًا في وقت واحد - أسهم في استنزاف وتشتت القوات الحكومية التي تعاني من فقر التسليح، عقب توقف الدعم اللوجستي من التحالف.

ويضيف السكني أن موقف الإدارة الأميركية الجديدة المتعلق بسحب الحوثيين من قائمة الإرهاب، وضعف وعدم استقرار الحكومة الشرعية في عدن، كانت أسبابًا مهمة لتقدم الحوثيين، على حد تعبيره.

كيف تحقق معركة مأرب شروط السلام؟
منذ أكتوبر الماضي، عجز الحوثيون عن إحراز أي تقدم عن آخر نقاط الاشتباك الحالية؛ إذ توقفوا في منطقتي حلحلان واللبنات على بعد 30 كيلومترًا شمال مأرب، ومناطق المشجح والكسارة والبلق على بعد 18 كيلومترًا غربًا، وفي وادي ذنة جنوبًا على بعد 35 كيلومترًا.
وتكافح القوات الحكومية المسنودة برجال القبائل لمنع الحوثيين من إحراز تقدم، لكن المدينة لا تزال مهددة.

ويرى العميد محمد المكروب - مساعد قائد المنطقة العسكرية الثالثة في القوات الحكومية - أن ذلك يعود إلى إعادة ترتيب الخطط الدفاعية والقدرة على التعامل مع الهجمات المكثفة، وفاعلية الضربات الجوية للتحالف.
ويقول - للجزيرة نت - إن الحوثيين يشنون منذ 21 سبتمبر الماضي هجمات يومية، وخسروا المئات من مقاتليهم؛ ليدركوا أنهم خسروا المعركة.
ويضيف أن المعطيات على الأرض تسببت في نشوب خلافات بين قادة الحوثيين، وهو تغيّر قد تستغله القوات الحكومية لشن هجمات مضادة مستقبلًا؛ لإجبار الحوثيين على السلام.

هل سيوقف الحوثيون هجومهم على مأرب؟
يصر الحوثيون على ضرورة انسحاب التحالف من مأرب، ووفق عضو المكتب السياسي للحوثيين (أعلى هيئة سياسية)، حزام الأسد، فإنهم سيستمرون في "مواجهة القوات الأجنبية".
ويقول - للجزيرة نت - إنه في حال أصر الطرف الآخر على الخيار العسكري، فإن خيار التراجع غير وارد، في إشارة إلى حتمية السيطرة على المدينة.

وكانت الأمم المتحدة قريبة من النجاح في إبرام اتفاق بين الحوثيين والحكومة لوقف إطلاق النار بمأرب، بالتزامن مع إعادة فتح الموانئ والمطارات، لكن الحوثيين أصروا على أن تنفيذ الخطوة الأخيرة يليها وقف المعارك.
وقال الأسد إن وقف المعارك لن يتم حتى تتحقق ما وصفها بـ"الحلول العادلة المتمثلة في وقف الحرب وفك الحصار، وبعد ذلك ندخل في نقاشات تفصيلية، أو نستمر في خط المواجهة حتى دحر العدوان وفك الحصار".

وظهر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج عاجزًا عن تحقيق أي تقدم لوقف القتال، وفي آخر بيان له اكتفى بدعوة الأطراف إلى خفض التصعيد.
وقال الأسد "المساعي الأممية لم تقدم أي جديد، ولا يزال المبعوث الأممي يجري لقاءاته من دون التوصل إلى خطة واضحة".
وأفاد مصدر عسكري في الجماعة - مفضلًا عدم الكشف عن هويته - بأن الغارات الجوية تسببت في مقتل كثيرين، وقال - في حديثه للجزيرة نت - "90 % من شهدائنا قُتلوا بغارات العدوان، لكن هذا لن يمنعنا من أن نتقدم نحو المدينة حتى بعد 5 سنوات".

كيف ستحدد معركة مأرب مستقبل الحرب في اليمن؟
تنعكس ضراوة المعركة على الأهمية الاستراتيجية لمأرب، وترى الباحثة اليمنية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن ندوى الدوسري أنه في حال سيطرة الحوثيين على مأرب، سيكون الوضع كارثيًا بكل المقاييس على الصراع في اليمن.
وتقول - للجزيرة نت - إن "مأرب هي آخر المناطق التي وقفت مع الجمهورية وضد المشاريع الأخرى في اليمن. وبالتالي، فإن سقوطها يعني سقوط الشرعية والجمهورية، والحوثيون لن يتوقفوا عندها، بل سيسيطرون على كافة أنحاء اليمن".

وبحسب الدوسري، فإن الحوثيين مستميتون للسيطرة على المدينة بغض النظر عن الخسائر التي تعرضوا لها.
وتقول "هناك استبسال كبير من الجيش والقبائل، مقابل استهتار كبير من التحالف والحكومة، وأصبح واقع الميدان تفرضه الحسابات السياسية لدى التحالف وبعض الأطراف في الشرعية، لذا لم يعد الهدف الرئيس إضعاف الحوثيين عسكريًا".

هل ستوقف معركة مأرب القتال في اليمن؟
ووفق أحدث تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، فإن سيطرة الحوثيين على مأرب ستكون بمنزلة تغيير جذري في الحرب؛ إذ سيحقق الحوثيون انتصارًا اقتصاديًا وعسكريًا، وستتعزز صورتهم بوصفهم سلطة حاكمة تستحق الشرعية الدولية، ومن المُرجَّح أن تنذر خسارة مأرب بالزوال السياسي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ويوضح التقرير أن الحوثيين سيواصلون قتال الانفصاليين الجنوبيين وقوات طارق صالح (ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح) المدعومين من الإمارات، إذا ما سيطروا على مأرب.
ويقدّر التقرير بأن حديث بعض اليمنيين -المتحالفين مع هادي اسما - بشأن استبداله بمجلس رئاسي سيقوّض المكانة الدولية للحكومة، ومن المُرجَّح أن يعزز مقاومة الحوثيين لمحادثات السلام.

شبوة تدخل على الخط، فهل سيتغير الوضع على الأرض؟
أواخر العام الماضي، أصدر الرئيس اليمني قرارًا بإعفاء محافظ شبوة محمد بن عديو الذي عُرف بعدائه للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا، وعين مكانه عوض العولقي لقيادة المحافظة الغنية بالنفط، لتصبح كل المحافظات التي كانت تابعة لليمن الجنوبي - قبل وحدة اليمن عام 1990 - تحت سيطرة المجلس.
وأمس الاثنين، بارك المجلس الانتقالي -المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله - عودة قواته إلى شبوة بعد سنتين من هزيمتها أمام القوات الحكومية، وقال - في بيان تصعيدي - إن هذه التطورات ستفسح المجال لإعادة تفعيل دوره، "ومطاردة بقايا الإرهابيين وتصفية بؤرهم التي احتضنتها القيادات الإخوانية".

"الجزيرة نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى