تعويم الريال اليمني.. الرابحون والخاسرون

> د. حسين الملعسي

> يعتبر صدور قرار تعويم الريال اليمني من أخطر القرارات الاقتصادية على الإطلاق، حيث شمل تأثيره السلبي الخطير الاقتصاد والسكان عمومًا، فقد أحدث إرباكًا في عمليات الإنتاج والتصدير والاستيراد بسبب اعتماد اقتصاد اليمن على الخارج بشكل كبير، حيث حول القرار حياة السكان وبالذات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى جحيم.
  • صدور القرار
فقد أصدر البنك المركزي قرار التعويم في تاريخ 15 أغسطس عام 2017م، وذلك من قبل المحافظ الأسبق للبنك منصر القعيطي وقد صدر القرار في وقت تشهد فيه البلاد حربًا شديدة وتشهد السوق المصرفية شحة في الدولار الأمريكي واختفائه من التعامل في البنوك وشركات الصرافة.

إن قرار البنك المركزي اليمني بتحرير سعر صرف الريال اليمني يعني ترك تحرير سعر صرف الريال يتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب في سوق الصرف حيث أعلن البنك أن سياسة الصرف ستقوم على التعويم الكامل وأن الدولة والبنك المركزي لن تتدخل في تحديده.

وبناء عليه، أعلن محافظ البنك المركزي الأسبق منصر القعيطي إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي عند إعلان القرار وهو 250 ريالًا يمنيًا لكل دولار أمريكي وكنتيجة أي بزيادة في سعر صرف الدولار قدرها 120 ريال يمني ليصل في نهاية عام 2021م إلى 1750 ريال مقابل الدولار.
  • أهداف تعويم الريال
هذا، وقد برر البنك المركزي قرار التعويم بأنه "سيساهم في جذب المنح وغيرها من موارد النقد الأجنبي المتأتية من الخارج خاصة برامج المنح التي سيطلقها البنك الدولي والمانحين الآخرين قريبًا مثل برنامج التحويلات النقدية الخاص بصندوق الرعاية الاجتماعية ومحفظة دعم الواردات السلعية وجهود الإغاثة الإنسانية ودعم بعض المشروعات في مجال خدمات التعليم والصحة".

يمكن القول إن قرار تعويم العملة كأسلوب في إدارة السياسة النقدية هو اختيار سياسي حكومي بالدرجة الأولى ولكنه كان متوافقًا مع توجيهات صندوق النقد الدولي.

وتلجأ الدول عادة لتعويم عملاتها الوطنية من أجل إعادة التوازن إلى موازينها التجارية أو للتخفيف من حدة العجز فيها ورفع تنافسية الاقتصاد المحلي والولوج إلى أسواق جديدة وتنويع شركاء البلد الخارجيين كما يهدف التعويم للحد من عجز الموازنة العامة للدولة وغيرها من الأهداف الاقتصادية وعموما تستخدم السياسة النقدية التعويم لتحقيق غايات نقدية ومالية وتجارية مستهدفة تعزيز الاقتصاد وحفز عوامل للاستقرار والنمو.
  • الرابحون والخاسرون
إن الكلام حول الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن تعويم الريال يقودنا بالضرورة إلى الحديث حول الرابحين والخاسرين من سياسة التعويم.

• الرابحون:

- المصدرون حيث ستصبح قيمة الصادرات أقل سعرًا وأكثر تنافسية.

- العاملون الذين يتقاضون رواتبهم بالعملات الأجنبية.

- شركات الصرافة والتحويلات.

- المؤسسات والأفراد الحائزين أرصدة من العملات الأجنبية.

- المضاربون بالعملة من غير العاملين المرخصين في سوق صرف العملات.

- الأجانب المقيمين في اليمن سواء كانوا شركات أو أفرادًا.

• الخاسرون:

- العاملون الذين يتقاضون أجورًا ثابتة بالريال اليمني.

- المستهلكون حيث سترتفع أسعار السلع المستوردة بالريال بنفس نسبة انخفاض سعر الصرف أو أكثر مع ثبات الدخول وانخفاض قيمتها الشرائية.

- متوسطي وصغار المدخرين الذين فاجأهم انخفاض سعر الصرف وسبب ضياع ما راكموه من مدخرات.

- المودعين في البنوك بالريال اليمني الذين لم يتمكنوا من سحب أموالهم حيث سبب الانهيار السريع لسعر الصرف انخفاضًا مهولًا للقيمة الفعلية لمدخراتهم.

- صغار التجار والحرفيين ومالكو المشاريع المتوسطة والصغيرة وغيرها من المشاريع والأنشطة المدرة للدخل، التي توفر فرص عمل ودخل للأسر المعوزة.

- الفقراء المتحصلون على مساعدة من شبكة الضمان الاجتماعي.

- التحويلات المالية من مناطق سيطرة الحكومة الى مناطق سيطرة الحوثيين حيث يضطر أصحابها إلى دفع رسوم تحويل غير قانونية وصلت إلى أكثر من المبلغ المراد تحويله.

إن الخسائر والمكاسب تتوزع بنسب غير متساوية من فئة إلى أخرى.
  • تقييم أولي لنظام تعويم الريال
من خلال الاستعراض السابق يمكن إجراء تقييم أولي للتعويم من خلال الملاحظات التالية:

- إن قرار التعويم قد صدر بعد حوالي عام من صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 119 الصادر في 18 سبتمبر 2016م بنقل البنك المركزي إلى عدن في ظروف غير مواتية، وذلك بتأثير عدد من العوامل أهمها الحرب الدائرة منذ سنين وشحة العملات الأجنبية في السوق وعدم إمكانية البنك المركزي توفير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع.

- قصر تطبيق نظام تعويم الريال على مناطق محدودة من البلاد، التي تشكل حوالي أقل من ثلث اقتصاد وسوق البلاد مما تسبب في عدم إمكانية الاستفادة الممكنة من التعويم وتسبب في تكلفة عالية الوطأة من الآثار السلبية على اقتصاد وسكان تلك المناطق.

- غياب إمكانية الاستفادة من مميزات تطبيق نظام التعويم في اقتصاد البلاد وحضور قوي للآثار السلبية مثل عدم إمكانية رفع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية أو تخفيض الاستيراد أو إحداث توازن إيجابي في الموازين الاقتصادية للبلاد.

- لم يكن لسياسة التعويم أي مردودات إيجابية في تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد المنتج لأنه لم يطبق كأحد عناصر خطة متكاملة للنمو منفتح على الداخل والخارج.

- كان لقراري نقل البنك المركزي إلى عدن وقرار تعويم الريال آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة وغير مواتية وتحديدًا انقسام البلد إلى اقتصادين وسوقين يسود فيهما طبعات مختلفة من الريال وتعمل فيهما سياسات مالية ونقدية مختلفة بل متضادة وقد تجسد كل ذلك جليًا في سيادة سعرين مختلفين لسعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية.

- شكل قرار تعويم الريال صدمة اقتصادية واجتماعية عنيفة مفاجئة وغير مدروسة الآثار على اقتصاد مجزأ وهش وريعي، حيث لا توجد بيئة مواتية للاستفادة من الإيجابيات وتحجيم السلبيات في اقتصاد لا يدار على أساس اقتصاد السوق التنافسي الحر ولا يوجد فيه سوق مالية ونقدية تقوم بآلية تصحيح أي اختلالات.

- تسببت القرارات غير المدروسة في فترة الحرب والاضطرابات إلى زيادة الفقراء ودخول البلاد في مشاكل ومآسٍ اجتماعية خطيرة قد تدخل أغلب السكان في مجاعة خطيرة للغاية.
  • الرأي
ضرورة قيام مؤسسات الدولة بمراجعة عاجلة وجادة للقرارات الاقتصادية التي تسببت في مشاكل خطيرة لتعظيم الإيجابيات وتقليل السلبيات مع مراعاة، بدرجة أساسية، الوضع المعيشي للسكان وتخفيف معاناتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى