"ثانوية الجلاء".. من مبنى شامخ وشعاع نور إلى قرية مستحدثة وعشش وأغنام..

> عدن «الأيام» فردوس العلمي:

>
  • النازحون بلا مأوى وإدارة التربية بالعاصمة آثرتهم على الطلاب بمبنى الجلاء
  • موقع استراتيجي يطل على مدرستين ومكتب مدير التربية.. والواقع "زريبة"
العديد من المناشدات أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من 6 أعوام، لإنقاذ ثانوية الجلاء التي اتخذها عدد من نازحي أبين سكنًا لهم منذ 2011عام عندما هُجِر الكثير من المواطنين من ديارهم بسبب حرب القاعدة آنذاك.

ولمن لا يعرف ثانوية الجلاء هي مدرسة من أعرق مدارس محافظة عدن؛ تحديدًا في مديرية خور مكسر، الجلاء عرفت في عهد الاستعمار البريطاني باسم (سكندري سكوول)، وبعد الاستقلال أصبحت مدرسة خاصة تدرس اللغة الإنجليزية، تعاقب على إدارتها قامات وهامات عدنية منهم أبوبكر عبدالرزاق باذيب، حامد الصافي، عبدالوهاب عبدالباري والكثير من قامات عدن وبريطانيا، كما تخرج منها مئات الآلاف من الطلاب الذين ابتعثوا إلى جامعات دول عدّة في العالم واليوم تبوؤون مناصب كبيرة في وزارات وإدارات بالدولة.

اليوم وبعد 50 عامًا أصبحت تلك المدرسة قرية صغيرة وملجأ يعيش فيه مواطنون جربوا الغربة في الوطن، هم من الذين تركوا ديارهم ونزحوا إلى العاصمة عدن ليعيشوا بعدها كابوس التشرد والحرمان 11 عامًا، طوال تلك المدة يعيش هؤلاء النازحون في ثانوية الجلاء التي تحولت إلى مجمع سكني، صفوفها أصبحت غرف نوم ومعيشة للنازحين وبنيت بداخلها حمامات، تلك المدرسة التي كانت شعاعًا للعلم والنور تغيَّرت ملامحها ولم تعد موقعًا لتلقي العلم؛ بل مجرد أطلال وخراب، وساحاتها "زريبة" ترعى فيها الأغنام.
فصول تحولت إلى حمامات
فصول تحولت إلى حمامات

منذ حرب القاعدة في محافظة أبين حتى اليوم وواقع الثانوية كما هو؛ بل إلى مزيد من التدهور بسبب الإهمال، الثانوية الواقعة على مدخل مديرية خورمكسر لم تتأثر سلبًا بوجود النازحين لوحدها، حيث امتد التأثير ليشمل المدارس المحيطة بها، فثانوية محمد عبده غانم والمدرسة الدولية الشاملة ترتبطان بالجلاء ببوابة مشتركة وساحة مشتركة، ما يفسر تواجد الأغنام وهي ترعى في ساحة ثانوية عبده غانم، وأحيانًا وصولهم إلى الصفوف الدراسية، إضافة إلى أن المساحة المقابلة للمدرسة باتجاه ساحل أبين أصبحت مكبًا للنفايات، والسور الفاصل بينها وبين المدرسة الدولية الشاملة تهدم وبات يدخل عبره البشر والأغنام.

أكرم الحريري
أكرم الحريري
مدير مدرسة الجلاء للتعليم الأساسي الأستاذ أكرم الحريري، تحدث عن واقع ثانوية الجلاء قائلا: "الثانوية وعلى مدى أكثر من خمسين عامًا كانت منارة علمية وثقافية ورياضية تنافس في أروقتها وساحاتها جميع طلاب مدارس عدن في الأنشطة الثقافية والرياضية التي تعكس الوجه المشرق للمدينة على مدى تلك السنوات الطويلة، أما حاليًا فتعيش ثانوية الجلاء وضعًا مأساويًا يستدعي من الجميع التحرك لوضع حد له فهو وضع لا يسر أحد".

وتابع: "الثانوية أهملت وسلمت لمن يدعون أنهم نازحون من حرب أبين مع القاعدة في 2011، ومنذ ذلك التاريخ والثانوية مدمرة تمامًا وقد تحولت إلى مجمع سكني للنازحين إلى يومنا هذا، ولم يغادروها على الرغم من استلامهم تعويضات في محافظة أبين".

وأضاف مستغربًا "لماذا لم يتم عرض الثانوية ضمن المدارس التي تم ترميمها من قبل الهلال الأحمر الإماراتي.. لا ندري لماذا تم استثناء هذه المدرسة؟"، موضحًا بأن ثانوية الجلاء تحمل عبقًا من تاريخ عدن، فيها ذكريات الزمن الجميل، وذكريات العصر الذهبي للتربية والتعليم، ذلك الصرح التعليمي الذي تخرج منه الكثير والكثير من كوادر عدن والجنوب عمومًا منذ خمسينيات القرن الماضي وما يليه من السنوات إلى أن جاءت حرب أبين والقاعدة.

وأشار بيده إلى مبنى وقال: "هذا المكان المتهالك هو ثانوية الجلاء التي تحمل في كل ركن من أركانها ذكريات لكل من درس فيها .. ذكريات الحلم والطموح والجد والاجتهاد والمثابرة والتفوق ".
ساحات المدرسة تحولت إلى زريبة للغنم
ساحات المدرسة تحولت إلى زريبة للغنم

ويؤكد الحريري، أن كثير من النازحين غادروا مدارس عدن وعادوا إلى أبين وكانوا محافظين على بقاء مباني المدارس كما هي ولم تشهد أي مدرسة حجم الخراب والدمار الذي شهدته ثانوية الجلاء، مناشدًا وزير التربية والتعليم ومحافظ عدن والسلطات الحالية والقيادات الفاعلة في المحافظة والمديرية وكذا القيادات الأمنية ومكتب التربية في المحافظة والمديرية، لمتابعة "استرجاع هذا المبنى وإعماره من جديد كمدرسة لأبنائنا يستفيدون منها، خصوصًا مع تزايد عدد الطلاب والتلاميذ في المدارس، وإلزام النازحين بالخروج والرجوع إلى محافظاتهم، خصوصًا وأن أغلبهم حصلوا على التعويضات المناسبة لأضرارهم من حرب أبين مع القاعدة".

وفي ختام حديثه نبه الحريري إلى ضرورة أن يتم التحرك قبل أن يتم الاستيلاء على المبنى من أحد المتنفذين كونها مساحة واسعة وموقعها استراتيجي.

"الأيام" زارت الثانوية لمعرفة أسباب بقاء النازحين فيها على الرغم من الضغط والكثافة الطلابية التي تعانيها فصول مدارس عدن.. عند دخولك بوابة الثانوية لا يأتي في بالك أنك تقف في ساحة مدرسة؛ بل في أحد قرى محافظة أبين، فقد انتهت ملامح المدرسة، فلم يعد المسرح مسرحًا ولا الساحة مساحة آمنة، وحين تنظر إلى الفصول الدراسية تشعر بمرارة الألم أن تتحول مدرسة بعراقة هذه المدرسة إلى قرية صغيرة وفي وسط المدينة.

وردًّا على سؤالي، " لماذا لا تعودون إلى أبين وقد انتهت حرب القاعدة منذ سنوات"، قال المسؤول عن النازحين في الثانوية نبيل سالم أبوبكر: "تهدمت منازلنا أثناء الحرب ونزحنا إلى هنا، وعند توزيع التعويضات لم نحصل على تعويض، على الرغم من أن الكثير من النازحين في المدارس الأخرى تحصلوا على تعويضات، لكن نحن تخلَّى عنا الجميع ولا أحد يأتي هنا ما عدا الهلال الأحمر اليمني يعمل لنا محاضرات توعوية فقط".
المسؤول عن النازحين في الثانوية نبيل سالم أبوبكر
المسؤول عن النازحين في الثانوية نبيل سالم أبوبكر

ويوصل حديثه "كنا هنا 43 أسرة، سكنَّا بعد أن نزحنا من أبين، وحاليًا بقينا 27 أسرة فقط، البعض خرج إيجار في إنماء ومناطق أخرى والبعض عاد إلى أبين وحصل على تعويضات ونحن من تبقى هنا لم نحصل على شيء ولا أحد يهتم بنا".

المبنى يقع في واجهة فندق ميركيور الذي تعرض للقصف في 2015 وكان السؤال كيف واجهتم حرب 2015 والمدرسة في واجهة الاشتباكات؟، فأجاب نبيل: "في حرب 2015 نزحنا إلى مدارس أخرى كون هذه المدرسة كانت في مرمى الاشتباكات، وقصفت لهذا نزحنا إلى مدارس مختلفة في مديريات محافظة عدن، وبعد انتهاء الحرب وتحرير عدن عدنا إلى هنا، وحاليًا لا أحد يلتفت لنا، كل منظمة تأتي إلى هنا يصورون ويخرجون ولا يعودون، بأمر من الوحدة التنفيذية التي لا تعتبرنا نازحين".

وعن كيفية إيجاد مصاريفهم اليومية قال: "البعض يستلمون رواتبهم والبعض يعملون بالأجر اليومي".
وسألت هل كل المتواجدين هنا حصلوا على تعويض، "لا أعلم ولكن البعض لم يستلموا" أجاب نبيل.

ويتحدث مسؤول النازحين في الثانوية عن وضعهم الصحي والتعليمي طوال ما يقارب 11 عامًا: "أطفالنا يدرسون في المدارس والحمد لله، ولكن وضعنا الصحي متدهور فالكل ينبهنا من كورونا والمتحور وحمَّى الضنك، ولكن لا يوجد لدينا أي حماية أو وقاية صحية، كما أننا نعاني من طفح المجاري والصرف الصحي".
طلاب نازحين عائدين من مدارسهم
طلاب نازحين عائدين من مدارسهم

وأضاف "نازحو حرب 2015 م والقادمين من المناطق الشمالية يحصلون على المعونات ودعم شهري أفضل منَّا نحن نازحو أبين، نحن حرمنا من المعونات والإعانات من 2012 لم نستلم أي دعم لا مادي ولا عيني وبسبب أن الوحدة التنفيذية أوقفت التعامل معنا، ومنعت المنظمات من القدوم إلينا، وحين نسألهم ماذا عن وضعنا يجيبون علينا (أرجعوا بلادكم) فين نرجع؟ وبلادنا دمرت ومنازلنا هدمت ولم نحصل على أي تعويض وغيرنا تحصل على التعويض.. ملفاتنا موجودة في الوحدة التنفيذية ولكن الوحدة ترفض التعامل معنا كنازحين أصلًا".

وأوضح أنهم لا يستطيعون العودة إلى أبين، على الرغم من أن الوضع هنا سيء ولا تتوفر لديهم كمقومات العيش الكريم، لكنهم يرونه أفضل باعتبار أن هذا المبنى يأويهم.
تصريف مياه الصرف الصحي خارج الفصول
تصريف مياه الصرف الصحي خارج الفصول

وفي ختام هذه المادة نوضح للقراء بأن هذه الثانوية، تطل عليها نافذة مكتب مدير التربية والتعليم وأي زيارة لقيادة وزارة التربية والتعليم تمر من البوابة المشتركة مع ثانوية محمد عبده غانم وعلى شمالهم مبنى شامخ تحول إلى خراب هم يغضون عنه أبصارهم .. ولمزيد من الإيضاح، تواصلنا مع مدير التربية والتعليم بالعاصمة أ. محمد الرقيبي، للاستفسار عن واقع المبنى وإيجاد حل لهذه المشكلة، وللأسف لم نتمكن من دخول مكتبه كونه كما أخبرونا كان في اجتماع، كما أنه تم التواصل معه عبر الهاتف وللأسف لم يرد على اتصالاتنا أو الرسائل النصية، وقد طلبنا منه تحديد موعد وللأسف لا حياة لمن تنادي، وكأن هذه المدرسة ليس لها أي أهمية ولا تدخل ضمن ممتلكات وزارة التربية والتعليم على الرغم من معاناة الطلاب في الفصول بسبب الكثافة الطلابية، إلا أنه يبدو أن إدارة التربية والتعليم آثرت ترك الثانوية للنازحين ليستفيدوا منها حق الاستفادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى