> تقرير/ زكريا الكمالي:
تحوّلت المدن اليمنية إلى بيئة خصبة للأمراض المعدية خلال سنوات الحرب، في ظل عدم جهوزية غالبية المرافق الصحية لناحية المعدات والكادر الطبي وغير ذلك. وعلى وجه الخصوص، تعيش مدينة تعز الواقعة جنوب غربي البلاد وضعاً حرجاً نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه جماعة "أنصار الله" الحوثيين، بحسب مصادر صحية.
بمرور الوقت، يؤكد الأهالي في حديث لـ "العربي الجديد" تدهور صحة أطفالهم بشكل مفاجئ وتغير لون أجسادهم وأعينهم إلى الأصفر والأبيض، فضلاً عن معاناتهم من الحمى الشديدة وفقدان الشهية، لافتين إلى أن الأطباء أكدوا أنهم مصابون بالتهاب الكبد الوبائي أ. واضطر البعض لإبقاء أطفالهم في المنازل لفترات طويلة خشية انتكاسة جديدة، في حال تناولوا أطعمة ملوثة مصدرها باعة متجولون يقفون أمام أبواب المدارس عند الظهيرة، لترويج بضاعتهم بين التلاميذ. ويقول محمد عبد الواحد، وهو من سكان حي الكوثر، لـ "العربي الجديد": "اثنان من أطفالي أصيبا بالتهاب الكبد الوبائي، أحدهما في المدرسة والآخر لم يلتحق بالمدرسة بعد. لكن ما يطمئن أنّ هناك أطفالاً من أقاربنا أصيبوا العام الماضي خلال فصل الشتاء وشفوا".
في بلد يعاني من قدرات صحية محدودة أساساً منذ ما قبل الحرب التي فاقمت المشكلة أكثر مما كانت عليه، يبرز فيروس الكبد كتحدّ صعب، نظراً لعدم قدرة المختبرات على التشخيص الدقيق غياب الرقابة على المرافق والمختبرات الطبية الخاصة التي تقدم خدماتها. ويؤكد أطباء أنّه لا يمكن التمييز بين حالات التهاب الكبد أ وسائر أنواع التهاب الكبد الفيروسي الحاد إلّا من خلال مختبرات حديثة متخصصة.
ولا تملك غالبية المختبرات الطبية الخاصة في مدينة تعز الإمكانات اللازمة لاكتشاف المرض خصوصاً النوع ب منه. وفي مناسبات عدة، ينقل دم المتطوعين في المرافق الصحية إلى مرضى محتاجين بناء على فحوصات غير دقيقة، علماً أنّ المتبرعين يكونون حاملين للفيروس، ما يجعل المرض ينتقل بشكل أكبر.
ولا يكاد سكان تعز يلتقطون أنفاسهم بعد انحسار موجة أمراض معدية، حتى يجدوا أنفسهم في مواجهة أمراض جديدة قد تكون أكثر قساوة مما عاشوه في السابق. وفي الوقت الحالي، يتفشى مرض التهاب الكبد الوبائي في المدارس. وبشكل فجائي، شهد عدد من المدارس في مديرية القاهرة وسط مدينة تعز، منذ أواخر العام الماضي، تزايداً في تسجيل أعداد الإصابات بالتهاب الكبد الوبائي، تزامناً مع الأمراض الموسمية الأخرى التي ترتفع نسبة الإصابات فيها خلال فصل الشتاء.
وفي ظل تدني الوعي الصحي، لم يلجأ الكثير من الأهالي إلى نقل أطفالهم إلى المستشفيات أو المراكز الصحية لدى ملاحظة توعكهم. وفي بلد يكثر فيه التداوي بالأعشاب منذ عقود، اعتبر كثيرون أنّ أولادهم أصيبوا بمرض اليرقان (ناجم عن تكون كمية زائدة من صبغة لونها مائل إلى الصفرة في الدم تسمى بيليروبين، يؤدي إلى تراكمها تحت الجلد وفي العين مما ينتج عنه اصفرار لون الجلد والعينين)، ولجأوا إلى العلاج بالعسل.
يؤكد أطباء وباحثون أنّ التهاب الكبد الوبائي الذي يصيب الأطفال لا يتحوّل إلى مرض مزمن، خصوصاً في حال اكتشافه ومعالجته في وقت مبكر، وإن طالت فترة مرضهم لأسابيع عدة. ويؤكد خبراء ومسؤولون صحيون أنّ تعز تعد بؤرة لتفشي فيروس التهاب الكبد الوبائي ب لدى كبار السن، في وقت تحتل محافظة إب المرتبة الأولى في معدلات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي أ. ويكشف المدير العام للمركز الوطني لمختبرات الصحة العامة الدكتور أحمد عبد الله منصور، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "معدل انتشار التهاب الكبد الوبائي بين الأطفال في تعز يتراوح ما بين 15 و20 في المائة، في وقت ينتشر التهاب الكبد الوبائي ب بين الكبار بنسبة تتراوح ما بين 9 إلى 12 في المائة".
ويعزو منصور أسباب تفشي كورونا بين الأطفال إلى المياه الملوثة بدرجة أساسية، فيما تعود أسباب انتشار التهاب الكبد الوبائي ب في أوساط الكبار إلى نقل الدم عشوائياً من دون الالتزام بإجراء الفحوصات اللازمة. وفي وقت يقر بخطورة الوضع الوبائي في تعز بشكل عام من جراء الحرب والحصار وتفشي أمراض خطيرة مثل حمّى غرب النيل وحمى الضنك، ينصح سكان تعز بضرورة شرب المياه الصحية والنظيفة، أو غلي المياه بشكل دائم لمن لا قدرة لديه على شراء المياه المعدنية.
ولا تملك غالبية المختبرات الطبية الخاصة في مدينة تعز الإمكانات اللازمة لاكتشاف المرض خصوصاً النوع ب منه. وفي مناسبات عدة، ينقل دم المتطوعين في المرافق الصحية إلى مرضى محتاجين بناء على فحوصات غير دقيقة، علماً أنّ المتبرعين يكونون حاملين للفيروس، ما يجعل المرض ينتقل بشكل أكبر.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعتبر توافر إمدادات المياه المأمونة والسلامة الغذائية وغسل اليدين واللقاح المضاد لالتهاب الكبد أ أكثر السبل فعالية لمكافحة المرض. كذلك، يمكن تطعيم الأشخاص شديدي التعرض لخطر الإصابة بالمرض، كإجراء وقائي.
العربي الجديد