إطلالة على «قلب الحصى» للأديب الحضرمي عبد الرزاق قرنح

> د. نضال السقاف:

> تُعدّ "قلب الحصى" الرواية التاسعة للكاتب من أصول زنجبارية - حضرمية عبدالرزاق قرنح الحائز على جائزة نوبل للآداب للعام 2021.
تحكي الروايةُ قصةَ حياة "سليم عبدالله" منذ طفولته في سبعينيات القرن الماضي التي يقضيها في زنجبار حتى بلوغه سن المراهقة، ثم يغادرها للدراسة إلى بريطانيا، حيث يستكمل دراسة الأدب الإنجليزي ويبدأ العمل في وظيفة رتيبة لا تُشبع طموحه.

غطّى الكاتب على لسان "سليم عبدالله" جزءً كبيرًا من تاريخ زنجبار الحديث الذي يمتد من فترة ما قبل الاحتلال البريطاني مرورًا به، ثم مرحلة الثورة، الاستقلال، الحكم الاشتراكي المليء بالتصفيات والقمع والاعتقالات ثم الانتقال إلى ما يشبه النظام الرأسمالي. وعمل الكاتب على حبك التغطية التاريخية كخلفية للأحداث التي يعايشها "سليم" بالإضافة لما يكتشفه عن حياة جديه لأبيه وأمه.

تطوُّر الأحداث في "قلب الحصى" لهُ وقع سريع، وأسلوب الكاتب في السرد والوصف لا يجعل القارئ يشعر بالملل؛ بل ينغمس في الأحداث متأرجحًا بمشاعره بين السرور والحزن والغضب. ويستشعر قارئ الكتاب وكأنّ الأحداث تدور في مدينة جنوبية كمدينة عدن، لتشابه الأحداث التاريخية ولأسلوب الحياة الذي كان سائدًا في كلتا المدينتين اللتين تطلان على المحيط الهندي ويسكنهما تنوع بشري ذو جذور وثقافات متعددة.

عاش بطلُ الرواية طفولته في منزل متواضع في سبعينيات القرن الماضي مع والديه اللذان التقيا في إحدى فعاليات شبيبة الحزب الحاكم، الذي استفرد بالحكم بعد أن قام بتصفية باقي الأحزاب التي ناضلت معه ضد الاستعمار. جدَّا سليم وقعا ضحية تلك الفترة حيث أُعتقل أحدهما وهاجر الآخر إلى الخليج. فجده لأمه، الذي زار العديد من دول الشرق الأوسط ودرس في أسكوتلندا تأثّر بالفكر المناهض للاستعمار الذي كان سائدًا في الشرق الأوسط وبنضال الشخصيات الوطنية مثل سعد زغلول، غاندي ونهروا، الحبيب بورقيبة وتيتو. ثم انخرط في النضال ضد الاستعمار لتبدأ المأساة التي يمر عليها سليم سريعًا، وكأنّ الكاتب لا يريدنا أن نبقى حبيسين فيها، بل يسردها كحادث عابر "أُخذَ أباهما من قبل الثوار ولم يرياه بعد ذلك مطلقًا، لم يُعاد جثمانه أو يتم الإعلان عن وفاته. لقد اختفى!"

يشارك سليم وأبويه في السكن خالُه التلميذُ، الذي سيصبح كأخ أكبر له. على الرغم من صعوبة الوضع المادي إلا أنّ الأسرة تعيش برضى وقناعة، ولكن مع مرور الوقت تَحدث تغييرات في حياة الأسرة، لا يستطيع سليم فهمها لصغر سنه، تؤدي إلى انفصال الوالدين حيث يغادر الأب المنزل ويبقى فيه سليم مع أمه وخاله، الذي ينهي الثانوية العامة ويسافر في منحة دراسية إلى بريطانيا. وبعد التخرج يتزوج [خالُه] ويعمل في السلك الدبلوماسي ليتم تعيينه عقب ذلك موظفًا في السفارة التنزانية في بريطانيا.

عندما يُنهي سليم الثانوية العامة يُساعده خاله على السفر إلى بريطانيا للدراسة ويُسكنه في منزله لتبدأ مرحلة جديدة من حياته مليئة بتجارب قاسية يستشعرها جميع المهاجرين في الغربة وخاصة فيما يتعلق بالتقاء الثقافة الشرقية بالغربية والصدمات المتعاقبة التي تصنعُ وعيًا جديدًا، يُحاول الوعي فيها التعايش مع ثقافتين، واحدة تعيش فيه وأخرى يعيش فيها.

تتعاقب الأحداث في إنجلترا وكأنها حائط خلفي يتغيّر باستمرار ويبقى فيه سليم وأمه، الذي استمر في كتابة الرسائل لها واستلام ردودها من وقت إلى آخر، هما القاسم المشترك. ولتلك الرسائل نكهة خاصة وخاصة التحية التي يستهل بها سليم الرسائل “Salamu na baada ya salamu” - التي لم أجد لها ترجمة دقيقة حتى الآن-. ولا يفوّت الكاتب أن يتطرق إلى العنصرية، ليست تلك التي يمارسها البيض ضد الوافدين فحسب؛ بل العنصرية بين الأقليات المهاجرة نفسها، التي تُصبح ضحية للعنصرية وممارسة لها في آن واحد.

تدورُ الأحداث سريعًا لنصل إلى الجزء الأخير بعودة سليم إلى زنجبار في زيارة قصيرة - لن أكشف سببها -، مصممًا على معرفة سر انفصال والديه وتعاسة أسرته بأسلوب هادئ وكأنّ الكاتب يُحاكم نظامًا كاملًا، لكن دون تعصب أو مبالغة. (لن أكشف السر هنا أيضًا ولكنه مفاجأة غير متوقعة) - إنها مأساة تعيشها شعوب العالم الثالث الضائعة حينها بين استعمار رحل وأنظمة حكم وطنية فاسدة مستبدة، تجثم على صدورها لم تستطع الارتقاء لمستوى يسمح لها بالمحافظة على منجزات الاستعمار.

ويختتم الكاتب الرواية بتساؤل عدمي عن هدف بقاؤه في الغربة وعن الفائدة التي يُمكن أن تَجنيها بريطانيا من شخص مثله. ثم يتساءل عن المغزى من وجود أشخاص كأبيه في الحياة ويستخلص أنّ "بعض الناس لهم فائدة في المجتمع حتى لو كان ذلك مجرد تضخيم للحشد".
من يقرأ روايةَ "قلب الحصى"، حتمًا، سيجد نفسه أو أحدًا من معارفه في شخصية من شخصيات الرواية أو أحداثها. تميّزت الرواية بأنها كُتبت بلغة بسيطة وسلسة ومليئة بالأحداث التاريخية لكن دون حشو مع الحفاظ على عنصر التشويق حتى النهاية.

"سوث24"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى