مِن عُزلة الإعاقة إلى فضاء الفن..آسيا الذبحاني فنانة تتحدى الإعاقة

> «الأيام» خالد عبدالواحد:

> لم تمنع الإعاقةُ الشابةَ اليمنيةَ آسيا أمين الذبحاني (26 سنة)، من تحدي الواقع والتعبير عن ذاتها من خلال الفن التشكيلي؛ بيدٍ واحدة ترسم لوحاتٍ مبهرة تعكس فيها ما يخالجها من مشاعر وانفعالات، مدفوعةً بالإصرار والتحدي لنظرة المجتمع الدونية تجاه ذوي الإعاقة.

تعاني آسيا من التقزُّم والشلل النصفي؛ ظروف الإعاقة والقيود الاجتماعية التي واجهتها، كانت تحوْل دون إكمال تعليمها كلما قررت الالتحاق بالجامعة، عوضًا عن ذلك، اتجهت إلى دراسة اللغة الإنجليزية بأحد المعاهد المشهورة في صنعاء، إلى جانب تطوير موهبتها في الرسم عن طريق الإنترنت.


بدأت آسيا الرسمَ منذ طفولتها، لكنها مارسته أكثر بعد تخرجها من المرحلة الثانوية، وخلال رحلتها في الفن التشكيلي تعرفت على الرسام الراحل عبدالله المجاهد الذي شجّعها وساعدها، وعَبْره تعرفت على الفنان التشكيلي ردفان المحمدي الذي درسها عدة دورات عن بُعد (أون لاين)، وبالطريقة نفسها درست أيضًا دورة على يد الفنان محمد الحاشدي.

"تعلمت الكثير على يد الفنان المحمدي، أيضًا درست دبلومًا مكثفًا في المؤسسة العربية لحقوق الإنسان لمدة 20 يومًا، كما عملتُ على تنمية موهبتي من خلال البحث في مواقع التواصل الاجتماعي والقراءة عن المدارس الفنية المختلفة"، تقول الذبحاني.

عن دافِعها في الاتجاه إلى الفن التشكيلي، تقول الذبحاني بعد زفرة عميقة: "اتجهتُ إلى الرسم، بعد أن واجهتُ موقفًا محزنًا، إذْ كنتُ بصدد الالتحاق بإحدى الجامعات للدراسة، لكن لم أجد أي مساعدة؛ كوني من ذوي الاحتياجات الخاصة، كتبت حينها منشورًا على حسابي بفيسبوك، تحدثت فيه عن موضوع الجامعة، فقوبلتُ بشكلٍ رهيبٍ من التنمّر؛ لم ألتحق بتلك الجامعة وبحثت عن أخرى، وفي كل مرة أواجه عراقيل، قلت لنفسي: لديَّ موهبة، ولا بد أن أطورها وأبهر بها الجميع، فكرست معظم وقتي للرسم".


إصرار يتحدى الإعاقة

لا تتقيد آسيا في لوحاتها بمدرسة فنية معينة، أو بلون محدد، بل تحب تجربة كل شيء؛ ترسم كل ما يطرأ في مخيلتها، "أحب أن أجرب أي شيء يختص بالرسم؛ لأن الرسم عالم ليس له نهاية، وكل فترة هناك أفكار جديدة يمكنني رسمها، لكني أنجذب إلى المدرسة الواقعية، أحب رسم الصورة أو الطبيعة نفسها بالضبط، حتى لو أخذ مني ذلك وقتًا".

حتى الآن، رسَمتْ آسيا نحو عشرين لوحة، هي أبرز أعمالها؛ منها "اللوحة الحرازية"، و"ألوان عدسة العين ذات الوردة الذهبية"، وشاركتْ في عدة معارض فنية، ومن خلالها استطاعت وضع اسمها في قائمة الفنانين التشكيليين في اليمن؛ منها المعرض الأول والثاني للرسم لذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن.

كما شاركت في معرض Puzzle في مبادرة lady space "مساحة امرأة"، ومعرض possible في مبادرة lady space "مساحة امرأة"، إضافةً إلى عرضها لوحتين في معرض الكتاب 2021 بمصر، وشاركت رسوماتها في صالون تيدكس صنعاء 2021 ضمن مواهب tedx.

تهدف آسيا من خلال لوحاتها، إلى إيصال رسالتها إلى العالم، فهي تؤمن أن "الإعاقة ليست إعاقة الجسد، إنما إعاقة التفكير والإدراك"، وهو ما استطاعت بالفعل تحقيقه من خلال الفن، وبالفن أيضًا استطاعت إيجاد مصدر دخل من خلال تنفيذ طلبات زبائن يتواصلون معها لرسم وجوه (بورتريه) لشخصيات مختلفة.

صعوبات مختلفة

يعد الرسم بالنسبة لـ"آسيا"، روحًا وحياةً، ووسيلة لإبراز شخصيتها ورسالتها عن طريق الفرشاة والألوان، لكنها - كغيرها من ذوي الاحتياجات الخاصة - تواجه صعوبات وتحديات كثيرة. تتساءل بحسرة: "في هذا المجتمع لا يحصل الشخص العادي على أبسط حقوقه، فكيف إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة؟!".

عن الصعوبات التي واجهَتْهَا، قالت إن أغلبها يتركز في غياب الخدمات، مثل عدم وجود طرق وسلالم خاصة بذوي الإعاقة، إلى جانب عدم وجود تسهيلات خاصة بالمعاقين في المرافق الحكومية أو الخاصة، وكذا انعدام المسؤولية والاهتمام تجاه الشخص المعاق، ودمجهم في المجتمع من جانب الجهات الحكومية أو المنظمات الدولية والمحلية، حد قولها.

تستدرك: "إذا كان هناك مساعدة، فإنهم يعطونك أقل القليل، وإن أعطوك موادًا غذائية، فإن صلاحيتها تكون قريبة الانتهاء!".

تذكر آسيا أن أكثر ما يشقُّ عليها من جملة الصعوبات، هو تبعات ارتفاع سعر المشتقات النفطية، وأسعار الأدوات الخاصة بالرسم، خاصة النوعية الممتازة التي تباع بالدولار الأمريكي، ناهيك عن عدم توفرها في الأسواق المحلية، فتضطر إلى طلبها من خارج اليمن.

ولأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تجد الدعم والتشجيع الكافي من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة، أو من المجتمع، سوى من أسرتها التي ساهمت كثيرًا في توفير الدعم لها وتشجيعها لتحقيق أحلامها. ولكون الإنترنت يعد مدرستها الأساسية، فهي تجد صعوبات في التصفح لضعف سرعة الإنترنت في اليمن.

بين مشجعٍ ومثبط

عن تقبل المجتمع لفكرة ممارسة فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة للرسم، ينقسم الناس إلى رأيين؛ الأول- مشجعون ومحفزون، ينبهرون من فتاة بيدٍ واحدة ترسم لوحات جميلة، ويزدادون انبهارًا حين تخبرهم أنها تعلمت كل ذلك من الإنترنت عن بُعد.


فيما الرأي الآخر، لا يرى في الرسمَ فنًّا، إنما مجرد "شخابيط"، هؤلاء بحسب آسيا "لا يعرفون شيئًا عن الفن، ولا أن بعض اللوحات تستغرق عدة أيام لرسمها، ناهيك عن الجهد الجسدي والإنفاق المالي".

طموحاتٌ وأحلامٌ كثيرة تسعى آسيا إلى تحقيقها؛ أهمُّها أن يكون لها بصمة مميزة في لوحاتها، تفسحُ لها مكانًا بين الفنانين العالميين، الذين يشار إليهم بالبنان، "أريد أن يكون لي مدرستي الفنية الخاصة؛ أن أصبح فنانةً عالمية، حتى أحفِّز وأشجِّع وأدعم ذوي الاحتياجات الخاصة"، تختم حديثها.

*"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى