تصحيح أوضاع الجنوب.. قبل فوات الأوان

>
قاسم العفيف
قاسم العفيف
وصلت الأوضاع المعيشية في الجنوب وبالذات في المدن الرئيسة إلى أدنى مستوياتها، ويعيش الناس تحت خط الفقر ولم يكن ذلك إلا بسبب هيمنة الدولة العميقة اليمنية التي توزعت بين الرياض وصنعاء، حيث أن ممثليها في الشرعية تسيطر على مفاصل السلطة، والتي تتحكم بكل شيء، مستخدمة كل وسيلة ونفوذ تلك الدولة وتحاول العودة إلى الواجهة عبر التمسك بقشة الشرعية التي أصبحت وبالًا على شعب الجنوب.

مع الأسف العالم يدعم هذه الدولة العميقة؛ بل يفرض قيودًا على حركة الشعب في الجنوب، وبين وقت وآخر يطل من يهدد عبر أدواته المتعددة أي تحرك جنوبي لتصحيح الوضع، مما يعد ذلك مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان الذي دوخوا العالم بالتبشير بها، ولا أحد يدري ما هي الأهداف الأخيرة التي يريدون تحقيقها من الجنوب؟

لم يحصل أن حوصر شعب بأكمله من خلال منع المرتبات أو حجبها لأشهر عن موظفي الجنوب العسكريين والمدنيين، ولم يحصل أن ظل شعب بأكمله دون خدمات للكهرباء ولا للمياه، ولا حتى توفير الحد الأدنى من المشتقات النفطية التي تحافظ على سير الحياة اليومية، ولم يحصل أن ظل شعب لا يجد أبناؤه وظائف مدنية غير العسكرة، ولَم يسمح له بمزاولة أي نشاط تجاري وزراعي وصناعي أو خدمي، ونحن الآن على أبواب السنة الثامنة حرب، ولا زالت الأوضاع تتدهور بشكل مريع.

رمضان على الأبواب وهناك أزمات متعددة لم تحل بعد وتثقل كاهل الشعب، وعلى وجه الخصوص في عدن والمدن الرئيسة في الجنوب، ماذا عملت الحكومة من إجراءات وما هي إجراءات حكام عدن لمواجهة تلك الأزمات (ازمه الكهرباء وأزمة المرتبات وأزمة المياه وأزمة المشتقات النفطية وأزمة الغاز المنزلي وأزمات أخرى أمنية وإدارية وغيرها)؟

مع الأسف بوجود هذه الحكومة ازداد الوضع سوءًا، والغريب أنها لا تعير معاناة الشعب أدنى اهتمام وكأن الأمر لا يعنيها، وهي تستمتع بالجو الجميل الذي تعيشه في منتجع معاشيق، ونسيت مسؤوليتها الدستورية والأخلاقية تجاه شعب يعاني من أزمات مركبة ولا نشاهد أي أمل في تلبية حاجة الناس في المستقبل المنظور.

نحن على مشارف السنة الثامنة حرب ولا زالت المحافظات الجنوبية المحررة تعاني من سوء إدارة، ومن تخبط في التعامل مع الجنوب من قبل الشرعية والتحالف، ويتم حجز الجنوب في مربع الانتظار حتى يتم التوافق بين النخب السياسية الشمالية فيما بينها مع الانقلابيين في صنعاء، وحتى الأمم المتحدة تسير بنفس الاتجاه، وفِي الواقع لا نية لدى الشرعية ولا لنخب الشمال ولا حتى الشعب في الشمال في التحرر من الانقلاب في صنعاء، وهذا ما ظهر جليًا في وقف المعارك في الجبهات وبتمسكهم بالبقاء في الجنوب، ومحاولة إتمام السيطرة عليه، وآخر اهتمامهم العودة إلى صنعاء خاصة ومنهم من تسلم المنافذ يديرها على كيفه ومنهم من استولى على منابع النفط ويضخ النفط بمزاجه، ومنهم من استولى على الموانئ ويديرها عبر وكلائه، ومنهم من يمتلك المطارات وتأتيه الإيجارات إلى عنده وحتى كل الإيرادات من المناطق المحررة تقسم بين الشرعية والانقلابيين تحت حجج مختلفة، وإلا كيف نفسر الاستقرار المعيشي في منطقة نفوذ الانقلابيين وتدهورها في المناطق المحررة في الجنوب غير أن الدولة العميقة بجناحها الذي في صنعاء تتقاطع أهدافها مع الشرعية التي تسيطر على مفاصل القرار فيها تُمارس حصارًا اقتصاديًا غير مسبوق لتركيع شعب الجنوب، ومع ذلك ولا أحد من التحالف أو الأمم المتحدة أو الدول الكبرى يعطي أي اهتمام بأن هناك شعبًا بكاملة في الجنوب يتعرض لإبادة في القرن الواحد والعشرين.

هل ما يجري في الجنوب يعتبر امتدادًا لسياسة عفاش التي انتهجها بعد حرب صيف 94؟ ويبدوا أن مخطط تحويل عدن إلى قرية قائم من قبل الحكومة من خلال إغراق عدن بالنازحين وتشجيع العشوائيات التي انتقلت إلى الجبال والشواطئ والمتنفسات الطبيعية.

ولم يجري في أي بلد أن يتم تشجيع مواطنين على النزوح من مناطقهم الآمنة خاصة وقد توقف الحرب فيها، وهذا ما يجري في عدن والجنوب كما حدث ويحدث خلال سنوات هذه الحرب، أول ما تطلق رصاصة في أقصى الأرض تصل عدن والجنوب قوافل من النازحين ومن باب التندر على هذه الوضعية يتحدث الناس بأنه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية الآن ستجد قوافل النازحين قد وصلت إلى عدن والجنوب، والأدهى من ذلك بأن هناك منظمات تتبع دول تشجع النزوح جنوبًا، وتقدم الدعم المالي السخي ولا أحد يدري هل هو لتفادي تدفق سيل من النازحين بالاتجاه شمالًا إلى بلدانهم، أو أنها سياسة جديدة للاستيطان في الجنوب، أما الحكومة فتقدم لهم كامل التسهيلات وكل ذلك على حساب أبناء عدن والجنوب؛ بل وتعطى لهم الأولوية في الرعاية، بينما الحرب قد توقفت في الشهور الأولى من السنة الأولى للحرب في مناطقهم، والدليل بأنهم في الأعياد يذهبون إلى قراهم بكل أريحية وبعد انتهاء العيد يعودون إلى عدن والجنوب وبدون عوائق تذكر.

السنة الثامنة حرب على الأبواب ولَم تضع حجرًا على حجر لإعادة بناء ما دمرته الحرب في عدن والمدن الجنوبية الأخرى من مساكن الناس ومؤسساتهم، وحتى لم تناقش الحكومة تعويضاتهم، بينما نسمع بأن هناك مليارات من الدولات صرفت من قبل مؤسسة الإعمار السعودية، ونستغرب أين ذهبت تلك المليارات ولَم يلاحظ الشعب أي إعمار والمشكلة بأنها ستسجل ديونا على كاهل الشعب.

بلادنا ليست فقيرة ولديها ثروات تمكنها من أن تعيّش مواطنيها حياة كريمة؛ لكن فساد الحكومة والشرعية وغيرهم من الذي التحق بهم لا يجدون من يحاسبهم على أفعالهم المشينة وتجد ثرواتهم تنمو بشكل خيالي في استثمارات خارجية أو حتى داخلية ودون خجل جمعوا ثرواتهم خلال سنوات الحرب القصيرة، وهذا لا يعطيهم الحق باستغلال الظروف والإثراء غير المشروع، وإذا لم تتم محاسبتهم اليوم بسبب ظروف الحرب، فأبشروا بالحساب لاحقًا سواء عند وجود ممثلي الشعب الحقيقيين أو حتمًا عند العلي القدير.

لابد من عمل شيءٍ يعيد التوازن للحياة في الجنوب، وإلغاء سياسة دفع الجنوب نحو الهاوية؛ لأنها ستحرق الجميع، ولن يكون الجنوب هو الضحية لوحده أو المتلقي السلبي للسياسات الخاطئة، ودون أخذ بالاعتبار مكانته في التاريخ والجغرافيا سترتد تلك السياسات الطائشة على الجميع ومن يعتبر الجنوب غنيمة يمكن توزيعها على من هبَّ ودبَّ فهو خاطئ ولم يتعلم من التاريخ شيئًا، لهذا ندعو إلى المراجعة العقلانية لهذه السياسات الطائشة وإجراء تصحيح حقيقي للأوضاع في الجنوب قبل فوات الأوان وما زال في الوقت متسع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى