واشنطن تحاول استقطاب فنزويلا للاستغناء عن النفط الروسي

> الأيام أ ف ب

>
​قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء فرض حظر على النفط الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا. لكن ما يلفت الأنظار في هذا القرار أن واشنطن قد فتحت قبله ببضعة أيام جولة من المفاوضات مع فنزويلا. ويفسر هذا التقارب بين بلدين تتسم علاقتهما ببرود كبير منذ عام 2019 برغبة واشنطن في إيجاد بدائل للذهب الأسود الروسي. لكن لا يوجد ما يؤشر إلى أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو سيتجاوب مع العرض الأمريكي برفع العقوبات عن بلاده.

هل يمكن إقامة علاقات صداقة مع أصدقاء أعدائي؟ على الأقل بصورة مؤقتة. هذا ما تحاول الولايات المتحدة حاليا اكتشافه بجس النبض مع دولة فنزويلا،، الحليف التقليدي لموسكو، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن حظرا على النفط الروسي.

وأكد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وكذلك الإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء أن وفدا أمريكيا "رفيع المستوى" قد زار كراكاس خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت. وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ القطيعة الدبلوماسية بين البلدين في عام 2019. فقد اتهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نيكولاس مادورو  بتزوير الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لصالحه، وأغلق السفارة الأمريكية وسعى علانية للإطاحة بالنظام من خلال الاعتراف بخوان غوايدو، رئيس مجلس النواب آنذاك، كرئيس شرعي للبلاد، وفرض عقوبات اقتصادية ثقيلة على النظام الحاكم.

تهدئة ذعر الأسواق المالية

يأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي تشن فيه روسيا حربًا مدمرة تهدف منها إلى غزو أوكرانيا منذ أسبوعين. ما العلاقة إذن بين القتال المحتدم في قلب أوروبا والعلاقات بين واشنطن وكاراكاس الواقعتين على بعد آلاف الكيلومترات؟ يتعلق الأمر دون ريب بالنفط، وبوجه خاص بالحظر الذي قررت واشنطن فرضه على صادرات المحروقات الروسية.

الخبير النفطي ممدوح سلامة متحدثا عن الصادرات الروسية من النفط والغاز

فالبيت الأبيض لم يخف نواياه بهذا الشأن، وأكد أن الإدارة الأمريكية تدرس تعليق العقوبات المفروضة على فنزويلا في مقابل استئناف صادراتها من النفط إلى الولايات المتحدة في إطار ما يطلق عليه "أمن الطاقة الأمريكي". كما اجتمع الوفد الأمريكي أيضا مع خوان غوايدو، خصم نيكولاس مادورو، والذي أعلن نفسه فائزا في الانتخابات الرئاسية الماضية، وذلك بحسب ما نشره مكتبه في إطار "مناقشة مصالح الأمن القومي لحليفنا [الأمريكي الشمالي]".

"هناك حاجة ملحة إلى أن تصدر الولايات المتحدة أكبر قدر ممكن من الضجيج حول هذه المفاوضات لطمأنة الأسواق المالية"، كما يقول ألكسندر باراديه، المحلل المالي لدى "آي جي فرانس"، في معرض شرحه تلك الخطوة لفرانس24.

فقد تسببت الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام منذ نهاية الأسبوع الماضي حول رغبة دول الغربية في إيقاف صنبور الغاز والنفط الروسيين في حالة من الذعر في البورصات العالمية. ويلخص المحلل الوضع بالقول: "لقد كان رد الفعل يوم الاثنين الماضي قويًا، عندما وصل سعر برميل النفط إلى نحو 140 دولارًا [وهو أعلى مستوى له في عشر سنوات]، وذلك بالطبع نتيجة مباشرة تعكس مخاوف المستثمرين من التأثير الاقتصادي للحرب والوقف المحتمل لواردات النفط الروسية".

فيما عادت الأسواق المالية للانتعاش قليلا عندما أوضحت ألمانيا في اليوم نفسه أنها لا تحبذ الاستغناء التام عن المحروقات الروسية. كما بدت المبادرة التي أطلقتها الولايات المتحدة حيال فنزويلا أكثر طمأنة من واقع من المحتمل أن يحرم فيه العالم من خمسة ملايين برميل من النفط الخام الروسي يوميا (وأكثر من مليوني برميل من المنتجات البترولية المكررة يوميا).

"إن العامل النفسي في هذه الحالة لهو جد مهم. فإذا تطرق إلى فهم المستثمرين أن الولايات المتحدة تبحث عن بديل قصير الأمد، إلى حد ما، للنفط الروسي، فإن ذلك سيكون أفضل لهم من رؤية المستقبل باللون الأسود، ونتحدث هنا عن السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يدفع بأسعار النفط إلى تخطي سعر 200 دولار أو أكثر للبرميل الواحد". يتابع ألكسندر باراديه.

هل تمثل فنزويلا حقًا بديلًا عن النفط الروسي؟

ما يتبقى علينا أن نعرفه هو ما إذا كان النفط الفنزويلي قادرًا بالفعل على الحلول محل النفط المستورد من روسيا. نظريًا، هذا هو الواقع: "فقد استوردت الولايات المتحدة حوالي 650 ألف برميل من النفط الروسي يوميا العام الماضي، وهو ما يتوافق بصورة تقريبية مع ما كانت تشتريه من فنزويلا قبل فرض العقوبات عليها في عام 2019. فقد كانت واشنطن تفكر أن روسيا بديل واقعي لفنزويلا، لذلك إن تم يومًا رفع العقوبات على كراكاس فسيكون بإمكاننا استنتاج أن العودة إلى وضع ما قبل 2019  أمر منطقي" كما يقول إيغور هيرنانديز، المتخصص في قطاع الطاقة الفنزويلي في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن (تكساس) في حوار هاتفي مع فرانس24.

لكن عمليًا، فإن القدرة الفنزويلية على الاستجابة بسرعة للاحتياجات الأمريكية من الذهب الأسود هي جد محدودة. فالعقوبات الأمريكية ضد قطاع الطاقة الفنزويلي والأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد قد تركت البنية التحتية لها في حالة سيئة ويرثى لها. "في عام 2021، تم زيادة إنتاج النفط إلى ما بين 600 و650 ألف برميل يوميا في المتوسط [مقارنة بنحو 560 ألف برميل يوميا في عام 2020]، ولا يزال بالإمكان تحسين ورفع حجم الإنتاج. لكننا نظل بعيدين جدا عن القدرات الإنتاجية قبل عام 2019"، كما يؤكد إيغور هيرنانديز. فقبل فرض العقوبات الأمريكية، كانت شركة النفط المملوكة للدولة (بتروليوس دي فنزويلا) تنتج أكثر من مليون برميل يوميا.

لكن الشركة الآن ستجد صعوبة في زيادة حجم إنتاجها "لأن قدرتها على استخدام أموال تصدير النفط حتى لو تم رفع العقوبات ستظل محدودة للغاية"، بحسب إيغور هيرنانديز. إن شركة النفط الفنزويلية الوطنية تعتمد اعتمادًا كبيرا على المصارف الروسية التي تعاني بدورها من العقوبات الأمريكية والغربية وهو ما سيعقد دون شك كيفية إدارتها لحساباتها المالية.

"ومن المحتمل جدًا أن يضطروا إلى استخدام القطاع الخاص (البنوك وصناديق الاستثمار) لتمويل أنشطتهم". كما يقول إيغور هيرنانديز. ولكن من الذي سيوافق على إقراضهم الأموال؟ إن الوضع المالي الحالي لشركة النفط الفنزويلية يمر بضائقة شديدة تجعل من الصعب عليها سداد التزاماتها المالية لجميع دائنيها الراهنين. ويضيف الأخصائي في معهد بيكر قائلا: "إنه ستكون هناك حاجة أيضا إلى وجود علامات موثوقة على أن الحكومة ستحترم جميع العقود التي ستوقعها الشركة، لكن نظام مادورو لا يتمتع بسمعة جيدة جدا في هذا المجال".

لذلك، ربما سيكون من الضروري أن "تساعد الولايات المتحدة نفسها في إعادة بناء قطاع النفط الفنزويلي"، كما يلاحظ ألكسندر باراديه. سيعد ذلك مشروعا محفوفا بالمخاطر السياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث إن نيكولاس مادورو لا يتمتع بأي احترام في الولايات المتحدة، لا بين الجمهوريين ولا بين معظم الديمقراطيين.

لكن هل مادورو على استعداد لخيانة بوتين؟

حتى لو بدأ النفط الفنزويلي في التدفق مرة أخرى على واشنطن، لا يزال يتعين على نيكولاس مادورو الموافقة على السير على هوى صناع السياسة الأمريكيين. فهل يمكن لرفع العقوبات أن يكون كافيا لإغراء الزعيم الفنزويلي؟ فمن خلال الموافقة على بيع نفطها لواشنطن، ستقدم كاراكاس لجو بايدن فرصة ذهبية لزيادة الضغط على فلاديمير بوتين، حليف نيكولاس مادورو القوي، وتشديد الخناق عليه. في حين يُذكِّر ماكسيميليان هيس، الباحث الأمريكي المتخصص في العلاقات بين روسيا وفنزويلا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، فرانس24 بحقيقة أن كراكاس "قد اعترفت باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في دونباس الأوكرانية، بعد ساعات قليلة من إعلان فلاديمير بوتين".

وبالنسبة لهذا الخبير فإن "نيكولاس مادورو سيسعى بشكل خاص لمعرفة ما إذا كان ما تقترحه واشنطن عليه يمكن أن يساعده هو ودائرة المقربين منه. وإن لم يكن هذا كافيا له، فإنه سيفضل بالطبع اللعب بورقة الولاء لروسيا، التي لا يزال يرى فيها مصدر أمان، في حال أصبح الوضع السياسي والاجتماعي في بلاده خطيرا للغاية".

ومن هذا المنظور، قد لا يكون رفع العقوبات كافيا لإغواء كراكاس. ويشير هيس إلى أن "وضع نيكولاس مادورو سيكون أفضل بكثير إن قدم له جو بايدن تنازلات بشأن قضايا أخرى، مثل الإجراءات القانونية التي بدأت الولايات المتحدة في اتخاذها ضد أعضاء الحكومة الفنزويلية وشركة النفط الوطنية".

بيد أن رفع العقوبات يظل جزرة كبيرة، تنقصها العصا، لا بد أن تؤخذ في الحسبان. ويعدد إيغور هيرنانديز منافع هذه الصفقة بقوله "إنها ستسمح لفنزويلا بإعادة توجيه جزء من صادراتها النفطية من الصين إلى الولايات المتحدة، ما سيكلفها أقل بكثير [في تكاليف النقل] مما تدفعه الآن وكذلك سيحسن الموارد المالية للبلاد". والأهم من ذلك، كما يعتقد الباحث الأمريكي "فإن نيكولاس مادورو ليس متخوفًا من اتخاذ موسكو إجراءات انتقامية بحقه إن قبل عرض واشنطن، نظرًا إلى أن روسيا لم تستثمر أو تضخ الكثير من الأموال في فنزويلا منذ عام 2019".

إضافة لذلك، فإن المفاوضات الأمريكية مع فنزويلا لا تتعلق بالنفط فحسب. "علينا أن نضع هذه الصفقة في مكانها بالتوازي مع الجهود الأمريكية الحالية لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق جديد مع إيران. الذي يهدف بكل تأكيد إلى السماح للإيرانيين بتصدير النفط مرة أخرى، وأيضا إلى إبعاد طهران عن أحضان موسكو"، وذلك بحسب اعتقاد الخبراء الذين حاورتهم فرانس24.

وبعبارة أخرى، فإن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لعزل موسكو دبلوماسيا على الساحة الدولية. ويعترف ماكسيميليان هيس قائلا: "إذا تمكنت الولايات المتحدة من إقناع فنزويلا وإيران، فإن ذلك سيمثل ضربة كبيرة حتى وإن كانت بصورة رمزية". إلا أن الولايات المتحدة قد تمكنت بالفعل، وفقًا له، من إيذاء روسيا بصورة كبيرة من خلال إقناع كوريا الجنوبية – "التي سعت دائمًا إلى تجنب غضب الكرملين" – وسنغفورة وسويسرا بالتخلي عن موسكو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى